كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 7)

ذلك على صدق الرسولين العظيمين، وصدق الكتابين الكريمين.
وقلنا: إن هذا لو كان مخالفاً لصريح المعقول لم يتفق عليه مثل هذين الرجلين، اللذان هما وأمثالهما أكمل العالمين عقلاً، من غير أن يستشكل ذلك وليهما المصدق، ولا يعارض بما يناقضه عدوهما المكذب، ويقولان: إن إقرار محمد صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب على ذلك، من غير أن يبين كذبهم فيه، دليل على أنه ليس مما كذبوه وافتروا على موسى مع أن هذا معلوم بالعادة، فإن هذا في التوراة كثير جداً، وليس لأمة كثيرة عظيمة منتشرة في مشارق الأرض ومغاربها، غرض في أن تكذب على من تعظمه غاية التعظيم، بما يقدح فيه، وتبين فساد أقواله، ولكن لهم غرض في أن يكذبوا كذباً يقيمون به رياستهم وبقاء شرعهم، والقدح فيما جاء به من ينسخ شيئاً منها، كما لهم غرض في الطعن على عيسى بن مريم وعلى محمد صلى الله عليهما وسلم، فإذا قالوا ما هو من جنس القدح فيه عيسى ومحمد كان تواطؤهم على الكذب فيه ممكن، فإما إذا قالوا ما هو من جنس القدح في موسى فيمتنع تواطؤهم على ذلك في العادة، مع علمهم بأنه يقدح في موسى، كما يمتنع تواطؤ النصارى على ما يعلمون انه قدح في المسيح.

الصفحة 90