كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 9)

بوجود الإيمان منه دون الآخر؟ وإذا قالوا بمشيئته وقدرته، قالوا لهم: إن كان للكافر مثل ذلك بطل الاختصاص، وإن لم يكن له مثل ذلك كان المؤمن مخصوصاً بأسباب من الهداية لم يحصل مثلها للكافر.
وأيضاً فإن الله يسأل الهدى إلى الصراط المستقيم في كل صلاة، والهدى المشترك بين المؤمن والكافر قد فعله، بل يجب عنده عليه فعله، فما المطلوب بالدعاء بعد ذلك؟
وأيضاً فإن الله تعالى قال: {واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} .
الآية، فبين أنه حبب الإيمان إلى المؤمنين وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان.
والقدرية من المعتزلة والشيعة تتأول ذلك بأنه حبب الإيمان إلى كل مكلف وزينة بما أظهره من دلائل حسنه، وكره الكفر بما أظهر من دلائل قبحه.
فيقال لهم: أول الآية وآخرها خطاب للمؤمنين، بقوله: {واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم} وقال في آخرها: {أولئك هم الراشدون} فبين أن الذين حبب إليهم الإيمان وكره إليهم الكفر هم الراشدون، والكفار ليسوا براشدين، ولو كان قد فعل بالكفار كما فعل بهم، لم يصح أن يمتن عليهم بما يشعر اختصاصهم به.

الصفحة 26