كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 9)

ولهذا يقول من يقول منهم: إنه يمتنع أن تكون ضرورية، لأنه حينئذ لا يستحق عليها الثواب.
لكن هنا هم متنازعون فيه، لإمكان أن يكون الثواب على ما سوى ذلك، كما أن الحياة والقدرة على النظر والعلوم الضرورية هي من خلق الله عندهم، ولا ثواب فيه ولا أجر لها.
ولهذا جوز أهل الإثبات أن تقع المعارف النظرية ضرورية وبالعكس، ولأن ذلك لا ينافي ما وعد الله به من الثواب عندهم، بل يجوز عندهم أن يجعل الله في قلب العبد من معرفته ومحبته ما يحصل بغير كسبه، ويثيبه عليه أعظم الثواب.
فالذين احتجوا من أهل السنة على أن المعرفة والإيمان تحصل للعبد بفضل الله ورحمته وهدايته وتعريفه، ونحو ذلك من العبارات، يتضمن قولهم إبطال قول هؤلاء القدرية.
وهذا صحيح، لكن ليس في ذلك ما يقتضي أن المعرفة لا يمكن أن تحصل بنظر العقل، كما أنه ليس في ذلك ما يقتضي أنها لا تحصل بتعليم الرسول والعلماء والمؤمنين ودعائهم وبيانهم واستدلالهم.
بل من المعلوم أن العلم يحصل في قلب العبد تارة بما يسمعه من الناس من البيان والتعليم: إما إرشاداً إلى الدليل العقلي، وإما اخباراً بالحق الواقع.
وتحصل تارة بما يقذفه في قلبه من النظر والاعتبار والاستدلال الذي ينعقد في قلبه، كما يحصل تارة بكسبه واستدلاله.
ويحصل تارة بما يضطره الله إليه من العلم من غير إكتساب منه، وإن

الصفحة 28