كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 9)

كان العلم الذي حصل باكتسابه ونظره هو مضطر إليه في آخر الأمر.
فلا يمكن العالم العارف، بعد حصول المعرفة في قلبه بدليل أو غير دليل، أن يدفع ذلك عن قلبه، اللهم إلا بأن يسعى فيما يوجب نسيانه وغفلته عن ذلك العلم.
وقد لا يمكنه تحصيل الغفلة والنسيان.
وذلك أن ما كتبه الله في قلوب المؤمنين من الإيمان، سواء حصل بسبب من العبد، كنظره واستدلاله، أو بسبب من غيره، أو بدون ذلك، هو والأسباب التي بها حصل بقضاء الله وقدره، وهي من نعمة الله على عبده، فإن الله هو الذي من بالأسباب والمسببات.
فمن ظن أن المعرفة والإيمان يحصل بمجرد عقله ونظره واستدلاله - كما تقوله القدرية - كان ضالاً.
وهذا هو الذي أبطله هؤلاء.
وقولهم: إن العقل شرط في التكليف والخطاب كالوجود والحياة، كلام صحيح.
والشرط له مدخل في حصول المشروط به، كما للحياة مدخل في الأمور المشروطة بها.
والعقل قد يراد به الغريزة، وقد يراد به نوع من العلم ونوع من العمل وكل هذه الأمور هي من الأمور المعينة على حصول الإيمان.
ولهذا يتفاضل الناس في الإيمان بحسب تفاضلهم في ذلك.
وأهل السنة لا ينكرون وجود ما خلقه الله من الأسباب ولا يجعلونها مستقله بالآثار، بل يعلمون أنه ما من سبب مخلوق إلا وحكمه متوقف على سبب آخر، وله موانع تمنع حكمه، كما أن الشمس سبب في الشعاع، وذلك موقوف على حصول الجسم القابل به، وله مانع كالسحاب والسقف.

الصفحة 29