كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 9)

كدلالتها وأعظم.
وإذا كانت دلالتها على صدق الرسول معلومة بالاضطرار، كالمثل الذي ضربوه في أن رجلاً لو تصدى بحضرة ملك مطاع وقال: إن كنت رسولك فانقض عادتك، وقم ثم اقعد، ثم قم ثم اقعد، فخرق الملك عادته، وفعل ما طلبه المدعي على وفق دعواه - لعلم الحاضرون بالضرورة أنه فعل ذلك تصديقاً له.
فمن المعلوم أنه إذا تنازع رجلان: هل داخل هذه الدار ناسخ يكتب خطاً مليحاً؟ فأخذ المدعى ورقاً أبيض، ومعه شعر قد صنعوه في تلك الحال في ورقة أخرى، وقال: إن كان هناك ناسخ فلينسخ هذا الشعر في هذه الورقة البيضاء، فأخرجت إليهم الورقة البيضاء وقد كتب فيها ذلك الشعر - تيقنوا أن هناك من ينسخ.
فكذلك من نازع في إثبات صانع يقلب العادات ويغير العالم عن نظامه، فأظهر المدعي للرسالة المعجز الدال على ذلك - علم بالضرورة ثبوت الصانع الذي يخرق العادات، ويغير العالم عن نظامه المعتاد.
وبالجملة فانقلاب العصا حية أمر يدل على ثبوت صانع قدير عليم حكيم، أعظم من دلالة ما اعيد من خلق الإنسان من نطفة، فإذا كان ذاك يدل بنفسه على إثبات الصانع، فهذا أولى.
وليس هذا الموضع بسط هذا.
وإنما المقصود التنبيه على أن المعجزات قد يعلم بها ثبوت الصانع وصدق رسوله معاً.
وما ذكرناه من كون الإقرار بالصانع فطري ضروري هو قول أكثر الناس، حتى عامة فرق أهل الكلام.
قال بذلك طوائف منهم من المعتزلة والشيعة وغيرهم.

الصفحة 44