كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 9)

حتى نعلم أنه مؤيد بالمعجزة؟ ولا نعلم أنه مؤيد بالمعجزة حتى نعلم أن التأييد من الله سبحانه؟ ولا نعرف التأييد من الله حتى نعرفه ونعلم أنه لا يؤيد الكذاب بالمعجزة؟ ولا نعرف ذلك إلا بفهم العقل، الذي هو نوع من العلوم الضرورية؟ فدل على أن معرفته سبحانه بالعقل.
دليل سابع: لو لم تجب معرفته بالعقل لوجب أن يجوز على الله أن ينهي عن معرفته، وأن يأمر بكفره وعصيانه والجور والكذب، كما يجوز أن ينسخ ما شاء من السمعيات، ويوجب ما كان قد نهى عنه.
فلما لم يكن ذلك، دل على أن ذلك غير ثابت بالسمع، وإنما يثبت بالعقل الذي لا يتغير، ولا يجوز نكثه ونسخه.
دليل آخر: أن الله وهب العقل وجعله كمالاً للآدمي.
وإذا أغفل النظر وضيع العقل إذا لم يقتبس منه خيراً، وإذا كان لا يقبح شيئاً ولا يحسنه، فوجوده وعدمه سيان، وهذا لا يقوله عاقل.
وأيضاً يدل على ذلك عبارة ملخصة: أن من وجد نفسه مؤثراً بآثار الصنعة، مستغرقاً في أنواع النعمة، لم يستبعد أن يكون له صانع صنعه، وتولى تدبيره، وأنعم عليه، وأنه إن لم ينظر في حقيقة ذلك ليتوصل إلى الاعتراف له وإلتزام شكره، عوقب على ما أغفل من النظر، وضيع من الاعتراف والشكر، فإن العقل سيلزمه النظر لا محاله، إذ لا شيء أقرب إلى الإنسان من النظر، فدل على وجوبه بالعقل) .
قلت: هذه الأدلة فيها للمنازعين كلام يحتاج معه إلى فصل الخطاب، كما ذكر في موضعه.
وهذه الطريقة التي سلكها أبو الخطاب، وغيره من أهل النظر: من المعتزلة وغيرهم، بنوها على أن معرفة الله تحصل

الصفحة 56