كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 9)

عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة، أنه لا عذر لأحد بالجهل بخالقه لما يرى من خلق السماوات والأرض، وخلق نفسه، وسائر خلق ربه.
قالوا: ويروى عنه أنه قال: لو لم يبعث الله رسولاً لوجب على الخلق معرفته بعقولهم.
قالوا: وعليه مشايخنا من أهل السنة والجماعة، حتى قال أبو منصور الماتريدي في صبي عاقل: إنه يجب عليه معرفة الله، وإن لم يبلغ الحنث.
قالوا: وهو قول كثير من مشايخ العراق.
ومنهم من قال: لا يجب على الصبي شيء من قبل البلوغ، كما لا تجب عليه العبادات البدنية بالاتفاق) .
قلت: هذا الثاني قول أكثر العلماء، وإن كان القول بالتحسين والتقبيح يقول به طوائف كثيرون من أصحاب مالك والشافعي وأحمد، كما يقول به هؤلاء الحنفية، وتنازع هولاء الطوائف في مسألة الحظر والإباحة، وأن الأعيان قبل ورود الشرع، هل هي على الحظر أو الإباحة؟ لا يصح إلا على قول من يقول: إنه بالعقل يعلم الحظر إو الإباحة.
وأما من قال: إن العقل لا يعلم به ذلك، ثم قال بأن هذه الأعيان قبل ورود الشرع حظراً أوإباحة، فقد تناقض في ذلك.
وقد رام منهم من تفطن لتناقضه أن يجمع بي قوليه فلم يتأت.
كقول طائفة: إنه بعد الشرع علمنا به أن الأعيان كانت محظورة أومباحة، ونحو ذلك من الأقوال الضعيفة، وليس هذا موضع بسط ذلك.
لكن المقصود هنا أن الأكثرين على انتفاء التكليف قبل البلوغ، لقوله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق» .
وهو معروف في السنن وغيرها، متلقى عند الفقهاء بالقبول، من

الصفحة 62