كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 9)

المراد: لا آخر لها، بل المراد: ليس لها ابتداء، وهذا صحيح، وهو أول المسألة.
والمنازع يقول: إذا كانت الحركات لا أول لها، فالمعنى أنه قد مضى في الماضي ما لا ابتداء له، كما يقال: إنه سيوجد في المستقبل ما لا انتهاء له.
وهذا هو قوله، فما الدليل على بطلان هذا؟
فهناك اشتراك واشتباه في الألفاظ والمعاني، إذا ميزت ظهر المعنى.
ولفظ الدخول في الوجود قد يتناول ما كمل وجوده وما لم يكمل وجوده، ويتناول ما وجد معاً وما وجد متعاقباً.
لكن قول القائل: إن الماضي دخل في الوجود دون المستقبل، عند منازعه فرق لا تأثير له.
فإن أدلته النافية لإمكان دوام ما لا يتناهى، كالمطابقة والشفع والوتر وغير ذلك، يتناول الأمرين، وهي باطلة في أحدهما، فيلزم بطلانها في الآخر، ومن اعتقد صحتها مطلقاً، ك أبي الهذيل والجهم، طردوها في الماضي والمستقبل، وهو خلاف دين المسلمين وغيرهم من أهل الملل.
وهذا الذي يذكره هؤلاء المتفلسفة إنما يتوجه فيما مضى ولم يبق كالحركات، فأما النفوس الإنسانية المجتمعة، إذا قالوا بأنه الآن في الوجود منها ما لا يتناهى وهو مجتمع، وأن ذلك لا يزال يزيد، لم يكن ما ذكروه في الحركات متناولاً لهذا.
ولهذا فر ابن رشد من ذلك إلى أن جعل النفوس واحدة بالذات، وشبهها بالضوء مع الشمس، والضوء عرض.
وفساد هذا القول معلوم، وليس هذا موضع بسطه.

الصفحة 92