كتاب درء تعارض العقل والنقل (اسم الجزء: 10)

من موجود من الموجودات إلا وليس هو غائباً عن نفسه، مع كونه كثير منها ليس عالماً بنفسه، فعلم أن حقيقة العلم أمر مغاير لحقيقة عدم الغيبة.
وإن قالوا: إنما قلنا: هو عدم غيبته عن ذاته المجردة قيل: الجواب من وجوه:
أحدها: أن حقيقةالعلم: إن كان هو عدم الغيبة لم يختلف ذلك بمعلوم ومعلوم.
فإن العلم يتعلق بكل معلوم، وكل شيء يمكن أن يكون معلوماً، وهو غير غائب عن ذاته، فيجب أن يكون كل شيء معلوماً لنفسه، ويكون علمه بنفسه أولى من علم غيره به، لكون عدم غيبته عن نفسه أولى من عدم غيبته عن غيره.
الثاني: أن الشيء كما لا يغيب عن نفسه قد لا يغيب عن غيره، فإن كان العلم عدم الغيبة، فكل ما كان حاضراً لشيء يجب أن يكون عالماً به.
الثالث: أن يقال: عدم غيبته عن ذاته المجردة، ما تعنون بقولكم: المجردة؟ إن أردتم ذاته المعقولة أو المعلومة، أو التي يمكن أن تعقل أو تعلم، ونحو ذلك من العبارات الدالة على كونه عالماً أو معلوماً، أو يمكن كونه عالماً أو معلوماً ...
كان معنى الكلام: أنه عدم الغيبة عن ذاته التي هي عالمة أو معلومة أو يمكن أن تكون كذلك.
ومعلوم أن هذا أيضاً عدم، فكل ما كانت ذاته عالمة ومعلومة،

الصفحة 92