كتاب ارتشاف الضرب من لسان العرب لأبي حيان الأندلسي (اسم الجزء: 3)

ومن الشرط المؤول بالنهي قوله تعالى: {ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا} وهو تفريغ في الأحوال أي لا يول أحد دبره إلا في هذه الحالة.
ولا يكون التفريغ في الموجب، والأمر، والتمني، والشرط الذي لا يتضمن النهي، فلا يجوز قام إلا زيد، ولا اضرب إلا زيدًا، ولا متى قام إلا زيد، فأما قوله تعالى: {ويأبى الله إلا أن يتم نوره}، [فهو محمول على معنى: لا يريد الله إلا أن يتم نوره]، فلو كان الموجب لازمًا له النفي نحو: لولا ولو، فذهب المبرد إلى جواز التفريغ تقول: لولا القوم إلا زيد لأكرمتك، ولو كان معنا إلا زيد لغلبنا، والصحيح أن ذلك لا يجوز، وزعم بعض المتأخرين أن غير الموجب هو الوجه الذي يكون فيه النفي، وأن التفريغ لا يكون إلا فيه، وعزاه إلى سيبويه. وليس بصحيح، فلا بد أن يكون النفي محققًا في اللفظ، أو في المتضمن، وكل منهما تارة يباشر ما دخلت عليه (إلا) نحو: ما ضربت إلا زيدًا، وقلما يقوله إلا زيد، أو غير مباشر، وشرطه أن يكون ما دخل عليه النفي غير مقصود النفي، بل دخل لتغير جهة ما في النفي الذي هو الخبر، فيكون كالمباشر، وذلك إنما يوجد في بعض أفعال القلوب المفيدة في الجملة وجهًا من وجوه الاعتقاد نحو: ما علمت أن فيها إلا زيدًا، وما ظننت أن يقول هذا إلا زيد، وكذا سمعت وشهدت كأنك قلت: ما فيها أحد إلا زيد في علمي، وما يقول ذلك أحد في ظني، وفي تفريغ لما بعد أن، وقد تقدمه ما علمت نحو: ما علمت أن فيها إلا زيدًا وهو مثال سيبويه نظر.

الصفحة 1503