كتاب العقد الفريد (اسم الجزء: 2)
وقال عبد العزيز بن مروان لنصيب بن رباح- وكان أسود-: يا نصيب هل لك فيما يثمر المحادثة؟ يريد المنادمة. فقال: أصلح الله الامير، اللون مرمّد، والشعر مفلفل، ولم أقعد إليك بكريم عنصر، ولا بحسن منظر، وإنما هو عقلي ولساني؛ فإن رأيت ألّا تفرق بينهما فافعل.
ولما ودّع المأمون الحسن بن سهل عند مخرجه من مدينة السلام، قال له: يا أبا محمد، ألك حاجة تعهد إليّ فيها؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أن تحفظ عليّ من قلبك ما لا أستعين على حفظه إلا بك.
وقال سعيد بن مسلم بن قتيبة للمأمون: لو لم أشكر الله إلا على حسن ما أبلاني في أمير المؤمنين من قصده إليّ بحديثه، وإشارته إليّ بطرفه، لكان ذلك من أعظم ما توجبه النّعمة، وتفرضه الصنيعة. قال المأمون: ذلك والله لأن الأمير يجد عندك من حسن الإفهام إذا حدثت، وحسن الفهم إذا حدّثت، ما لا يجده عند غيرك.
مدح الملوك والتزلف إليهم
في سير العجم أن أردشير بن يزدجرد لما استوثق له أمره، جمع الناس فخطبهم خطبة حضّهم فيها على الألفة والطاعة، وحذّرهم المعصية ومفارقة الجماعة، وصنّف لهم الناس أربعة أصناف، فخروا له سجّدا، وتكلم متكلّمهم، فقال: لا زلت أيها الملك محبوّا من الله بعز النصر، ودرك الأمل «1» ، ودوام العافية، وتمام النّعمة، وحسن المزيد؛ ولا زلت تتابع لديك المكرمات، وتشفع إليك الذّمامات، حتى تبلغ الغاية التي يؤمن زوالها، ولا تنقطع زهرتها، في دار القرار التي أعدّها الله لنظرائك من أهل الزّلفى عنده، والحظوة لديه، ولا زال ملكك وسلطانك باقيين بقاء الشمس والقمر، زائدين زيادة البحور والأنهار، حتى تستوى أقطار الأرض كلها في علوّك عليها، ونفاذ أمرك فيها؛ فقد أشرق علينا من ضياء نورك ما عمّنا عموم ضياء الصبح،
الصفحة 11
391