كتاب العقد الفريد (اسم الجزء: 2)

أنعم كفّا، ولا أندى راحة «1» منك يا أمير المؤمنين. قال: فأعظم له الجائزة على شعره، وأضعف له على كلامه وأقبل عليه بوجهه وبشره، فبسطه حتى تمنى جميع من حضره أنهم قاموا مقامه.
عمر بن عبد العزيز ووفد العراق ومحمد القرظي:
حدّث العتبي عن سفيان بن عيينة قال: قدم على عمر بن عبد العزيز ناس من أهل العراق، فنظر إلى شاب منهم يتحوّش «2» للكلام، فقال: أكبروا أكبروا. فقال:
يا أمير المؤمنين، إنه ليس بالسنّ، ولو كان الأمر كله بالسنّ لكان في المسلمين من هو أسنّ منك. فقال عمر: صدقت رحمك الله، تكلم. فقال: يا أمير المؤمنين، إنّا لم نأتك رغبة ولا رهبة؛ أما الرغبة فقد دخلت علينا منازلنا وقدمت علينا بلادنا؛ وأما الرهبة فقد أمننا الله بعدلك من جورك. قال: فما أنتم؟ قال: وفد الشكر. قال: فنظر محمد بن كعب القرظي إلى وجه عمر يتهلل، فقال: يا أمير المؤمنين؛ لا يغلبنّ جهل القوم بك معرفتك بنفسك؛ فإن ناسا خدعهم الثناء وغرّهم شكر الناس فهلكوا، وأنا أعيذك بالله أن تكون منهم. فألقى عمر رأسه على صدره.
التنصل والاعتذار
قال النبي صلّى الله عليه وسلم: «من لم يقبل من متنصّل «3» عذرا، صادقا كان أو كاذبا، لم يرد عليّ الحوض» .
وقال: «المعترف بالذنب كمن لا ذنب له. وقال: الاعتراف يهدم الاقتراف» «4» .
وقال الشاعر:
إذا ما امرؤ من ذنبه جاء تائبا ... إليك فلم تغفر له فلك الذّنب

الصفحة 17