كتاب العقد الفريد (اسم الجزء: 4)

قال: أشدّ والله عليّ من سوء حالي وفاقتي، توهّمي فيكم المواساة! انتعلوا الطريق لاصحبكم الله.
الأصمعي قال: وقف أعرابيّ علينا فقال: يا قوم، تتابعت علينا سنون بتغير وانتفاص، فما تركت لنا هبعا ولا ربعا «1» ، ولا عافطة ولا نافطة «2» ، ولا ثاغية ولا راغية «3» ؛ فأماتت الزرع، وقتلت الضرع، وعندكم من مال الله فضل نعمة؛ فأعينوني من فضل ما آتاكم الله، وارحموا أبا أيتام، ونضو زمان «4» ؛ فلقد خلفت أقواما يمرضون مريضهم ولا يكفنون ميتهم، ولا ينتقلون من منزل إلى منزل وإن كرهوه؛ ولقد مشيت حتى انتعلت الدماء، وجعت حتى أكلت النوى.
لأعرابية مع عبد الرحمن ابن أبي بكر:
الأصمعي قال: وقفت أعرابية من هوازن على عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق فقالت: إني أتيت من أرض شاسعة، تهيضني هائضة «5» وترفعني رافعة في بواد برين لحمي، وهضن عظمي: وتركنني والهة، قد ضاق بي البلد، بعد الأهل والولد، وكثرة من العدد؛ لا قرابة تؤويني، ولا عشيرة تحميني، فسألت أحياء العرب: من المرتجى سيبه، المأمون عيبه، الكثير نائله، المكفيّ سائله؟ فدللت عليك؛ وأنا امرأة من هوازن، فقدت الولد والوالد، فاصنع في أمري واحدة من ثلاث: إما أن تحسن صفدي، وإما أن تقيم أودي، وإما أن تردّني إلى بلدي. قال: بل أجمعين لك! ففعل ذلك بها أجمع.
وقال أعرابي:
يا عامل الخير رزقت الجنّة ... أكس بنيّاتي وأمّهنّه
وكن لنا من الزمان جنّه ... واردد علينا إنّ إنّ إنّه
أقسمت بالله لتفعلنّه

الصفحة 18