كتاب العقد الفريد (اسم الجزء: 4)

قال وسمعت أعرابيا يقول لابنه وهو يعاتبه: لا تتوهمن- على من يستدل على غائب الأمور بشاهدها- الغفلة عن أمور يعاينها، فتكون بنفسك أخطأت، وحظّك أخطأت.
ونظر أعرابي إلى رجل حسن الوجه بضّه «1» فقال. إني أرى وجها ما علقه برد وضوء السّحر، ولا هو بالذي قال فيه الشاعر:
من كلّ مجتهد برى أوصاله ... صوم النهار وسجدة الأسحار
الأصمعي قال: سمعت أعرابيا ينشد:
وإذا أظهرت أمرا حسنا ... فليكن أحسن منه ما تسرّ
فمسرّ الخير موسوم به ... ومسرّ الشرّ موسوم بشرّ
وقول الأعرابي هذا على ما جاء في حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ما اسر امرؤ سريرة إلا ألبسه الله رداءها، إن خيرا فخير وإن شرّا فشر» .
قال: وأنشدني أعرابي:
وما هذه الأيام إلّا معارة ... فما اسطعت من معروفها فتزوّد
فإنك لا تدري بأيّة بلدة ... تموت ولا ما يحدث الله في غد
يقولون لا تبعد ومن يك مسدلا ... على وجهه ستر من الأرض يبعد
وقال أعرابي: أعجز الناس من قصّر في طلب الإخوان، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم.
وقال أعرابي لابنه: لا يسرك أن تغلب بالشر؛ فإن الغالب بالشر هو المغلوب.
وقال أعرابي لأخ له: قد نهيتك أن تريق ماء وجهك عند من لا ماء في وجهه.
فإن حظك من عطيته السؤال.
قال: وسمعت أعرابيا يقول: إن حب الخير خير وإن عجزت عنه المقدرة،

الصفحة 29