كتاب شرح معاني شعر المتنبي لابن الإفليلي - السفر الأول (اسم الجزء: 2)

فيقول لسيف الدولة: تسل عن هذا المفقود بالفكر في أبيك، فقد كان حزنك عليهما أشد، وأسفك أبين وأوكد، وقد عاقب بعد قريب بكاءك عليهما ضحكك، وعفى على حزنك بهما سلوك، وإذا كان السلو لا بد منه، فليس في الحق أن تعرض
عنه.
إذَا اسْتَقْبَلَتْ نَفْسُ الكَريمِ مُصَابَها ... بِخُبْثٍ ثَنَتْ فاسْتَدْبَرَتْهُ بِطيبِ
ثم أكد ما قدمه، فقال: إذا استقبل الكريم مصابه بالاستكراه له، وإظهار الجزع فيه، عاد عن قريب، فطابت عليه نفسه، وأخرجه إلى السلوان طبعه، وعلم أن الحزن لا ينفعه، فكان الصبر غاية جزعه، والسلو آخر تفجعه.
وللواجد المكروبِ مِنْ زَفَرَاتِهِ ... سُكُونُ عَزَاءٍ أو سُكونُ لُغُوبِ
اللغوب: الإعياء.
ثم قال: ولا بد لذي الوجد المكروب، والشديد الزفرات المحزون، أن يسكن سكون من يعي ويغلب، أو يسكن سكون من يسلو ويصبر.
وكَمْ لَكَ جَداً لَمْ تَرَ الْعَيْنُ وَجْهَهُ ... فَلَمْ تَجْرِ في آثارِهِ بِغُروبِ
يقول لسيف الدولة: وكم لك جداً اخترمه الموت، وأفناه الدهر،

الصفحة 14