كتاب شرح معاني شعر المتنبي لابن الإفليلي - السفر الأول (اسم الجزء: 2)
لهذا أصبر الحيوان على العطش، وبحسب حاجته إلى الريح، يرتقبها، وبضرورته إليها يعتني بطلبها.
فيقول: لقد لعب البين بها وبي، يريد: محبوبته، فشتت ما التأم من شملنا، وأبعد ما اتصل من قربنا، وزودني بعد رحلتها وانتزاح دارها، ما يتزود الضب من تنسم الريح، فأنا أستشرف إلى هبوبها، فما هب منها من نحو بلادها أنست به، وسكنت إليه، وارتحت له، وحرصت عليه. وعشاق العرب يفعلون ذلك ويذكرونه كثيراً في أشعارهم، فأشار أبو الطيب بذكره الضب، إلى هذا المعنى أحسن إشارة، ودل عليه أبين دلالة.
وَمَنْ تَكُنِ الأُّسْدُ الضَّواري جُدُودَهُ ... يَكُنْ لَيْلُه صُبْحاً وَمَطْعَمُهُ غَصْبَا
ولما ذكر انقطاع الأسباب بينه وبين محبوته، وتقلب الأحوال به وبها، وتصريف الزمان له ولها، أخذ في ذكر بعض ما تصرف فيه، فقال: ومن تكن أنجبته
الأسود الضارية، وولدته السباع العادية، كان ليله صبحاً لكثرة سراه فيه، ومطعمه غصباً لخفة الاغتصاب عليه. وأَشار بهذه الحال إلى نفسه، فأبان عن صرامته وشدتهن ودل على اعتزامه وقوته.
الصفحة 22
352