كتاب شرح معاني شعر المتنبي لابن الإفليلي - السفر الأول (اسم الجزء: 2)

فيقول: ولا فضل في الدنيا للشجاعة والكرم والصبر والجلد، لولا تباين الناس في التوطين على لقاء الموت، وإنما فضل الشجاع الجبان بإقدامه على الموت، وفضل الكريم البخيل بقلة رغبته في المال، الذي هو متاع الحياة، وفضل الصابر الجازع بتجلده للمكاره التي تقود إلى التلف، فبالإقدام على الموت يستبين الفضل، وبالجزع منه يستحق الذم.
وأَوْفَى حَيَاةِ الغَابِرين لصاحب ... حَيَاةُ امرئٍ خَانْتَهُ بَعْدَ مَشِيبِ
ثم قال، مزهداً في الحياة: وأوفى حياة الباقين الذين طالت أعمارهم، حياة من لحق سن المشيب، وأدرك زمان الكبير، ثم غايته بعد ذلك لقاء الحتف الذي كرهه،
وحلول الموت الذي حذره، هذه سبيل من متع بحياته، وأسعد بتراخي مدته، والتفاضل في ذلك عند تأمله، قليل لا يجزع لفوته، وقريب لا يفرح بمثله.
لأَبْقَى يَمَاكُ في حَشَايَ صَبَابَةً ... إلى كُلَّ تُرْكيَّ النَّجارِ جَلِبيبُ
النجار: الأصل، والجليب: المجلوب من أرض إلى أخرى.
فيقول: (لأبقى يماك)؛ هذا التركي الهالك في حشاي، لشدة إعجابي به، وقوة أسفي عليه، صبابة إلى كل تركي يشاركه في أصله، ويماثله في جلبه.

الصفحة 7