كتاب الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

الدليل السابع: وعنه أيضا - رضي الله عنهم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتاكم رمضان, شهر مبارك فَرَض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلّ (¬1) فيه مَرَدَة (¬2) الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِم خيرها فقد حُرِم» (¬3).
وجه الاستدلال من الأحاديث: أن الأحاديث جاءت مُصرِّحة باسم رمضان مطلقا دون إضافة كلمة شهر، مما يدل على أن رمضان اسم للشهر نفسه وليس اسما لله عز وجل (¬4).
قال القاضي عياض (¬5): "فيه حجة على جواز قول مثل هذا دون ذِكر الشهر، خلافا لمن كرهه، وروي أثر في النهي عن ذلك، وأن رمضان اسم من أسماء الله وهو أثر لا يصح" (¬6).
الدليل الثامن: ولأن الكراهة إنما تَثبُت بنَهي الشرع، ولم يَثبُت نهي في تسميته برمضان دون إضافة لفظ شهر (¬7).
الدليل التاسع: ولأن قولهم: إن (رمضان) من أسماء الله سبحانه وتعالى ليس بصحيح، ولم يصح فيه شيء، وأسماء الله تعالى توقيفية لا تُطلَق إلا بدليل صحيح (¬8).
أدلة القول الثالث: القائلين بالتفصيل: جواز قول رمضان دون لفظة الشهر، إذا كانت هناك قرينة تدُل على أنه الشهر كصمنا رمضان، والكراهة إذا لم تكن هناك قرينة تدل على أنه الشهر كجاء رمضان.
¬_________
(¬1) الغُلّ: واحد الأغلال. يقال في رقبته غُلّ من حديد. وقد غُلّ فهو مَغلول، أي جعل في أيدي المَرَدَة وأعناقهم الغُلَّ، وهو القيد المختص بهما. ينظر: الصحاح 5/ 1783، والنهاية 3/ 381.
(¬2) المَارِد: هو العاتي الشديد، المتجرد من الخير. ينظر: النهاية 4/ 315، ومقاييس اللغة 5/ 317.
(¬3) رواه النسائي 4/ 129 رقم 2106، كتاب الصيام, باب فضل شهر رمضان، واللفظ له, وأحمد 12/ 59 رقم 7148, وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 1/ 585 رقم 998: "صحيح لغيره".
(¬4) ينظر: المسالك في شرح موطأ مالك 2/ 474، ومرقاة المفاتيح 1/ 68.
(¬5) هو: عِياض بن موسى بن عياض اليحْصُبي السبتي، أبو الفضل الأندلسي، أحد عظماء المالكية, كان إماما حافظا محدثا فقيها, توفي سنة 544 هـ, من تصانيفه: التنبيهات المستنبطة في شرح مشكلات المدونة في الفقه، والشفا في حقوق المصطفى؛ وإكمال المعلم في شرح صحيح مسلم. ينظر: الديباج المذهب 2/ 46, شجرة النور الزكية 1/ 205, سير أعلام النبلاء 20/ 212.
(¬6) إكمال المعلم 4/ 5.
(¬7) ينظر: المجموع للنووي 6/ 248.
(¬8) ينظر: المصدر السابق.

الصفحة 63