كتاب الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

الدليل السادس: عن رِبْعي بن حِراش (¬1)، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: اختلف الناس في آخر يوم من رمضان، فقدم أعرابيان فشهدا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهلاّ الهلال (¬2) أمس عشيّة (¬3)، «فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفطروا» (¬4).
وجه الاستدلال من الحديثين: أن هؤلاء القوم الذين أخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - برؤيتهم قد رأوا الهلال في غير المدينة، وبينهم وبينها نحو من يومين؛ لأنّ شهادتهم كانت آخر النهار، والمطالع قد تختلف في الأمكنة المتقاربة (¬5).
الدليل السابع: قياس (¬6) البلدان البعيدة على الضواحي والمدن القريبة من بلد الرؤية لعدم وجود دليل على اختصاص كل منهما بحكم، فالبيّنة العادلة ممثلة بشهادة الثقات قد أثبتت رؤية الهلال، فوجب الصيام؛ كما في حالة تقارب البلدان (¬7).
أدلة القول الثاني: القائلين باعتبار اختلاف المطالع.
¬_________
(¬1) هو: رِبْعي بن حِرَاش بن جَحْش بن عمرو الغَطَفَانِيُّ، أبو مريم الكوفي, التابعي الجليل المشهور، سمع من: عمر، وعلي، وأبي موسى رضي الله عنهم, وعنه: أبو مالك الأشجعي، ومنصور بن المعتمر, وآخرون, توفي سنة 100 هـ, وقيل غير ذلك, ينظر: الطبقات 6/ 127, سير أعلام النبلاء 4/ 359, تهذيب التهذيب 3/ 237.
(¬2) أي: رأو الهلال وأبصروه. ينظر: النهاية 5/ 271، لسان العرب 11/ 703.
(¬3) العَشِيّ: قيل ما بين الزوال إلى الغروب, وقيل: هو آخر النهار. ينظر النهاية 3/ 242، وتهذيب اللغة 3/ 38، والمصباح المنير 2/ 412.
(¬4) رواه أبو داود 2/ 301 رقم 2339, كتاب الصوم, باب شهادة رجلين على رؤية هلال شوال, والبيهقي في السنن الكبرى 4/ 416 رقم 8189, كتاب الصيام, باب من لم يقبل على رؤية هلال الفطر إلا شاهدين عدلين, والدارقطني في سننه 3/ 123 رقم 2202, كتاب الصيام, باب الشهادة على رؤية الهلال, وقال: "هذا إسناد حسن ثابت"، وقال الألباني في صحيح أبي داود 7/ 104: "إسناده صحيح".
(¬5) ينظر: كتاب الصيام من شرح عمدة الفقه لابن تيمية 1/ 172.
(¬6) القياس في اللغة: التقدير، ومنه: "قست الثوب بالذراع". وهو في الشرع: حمل فرع على أصل في حكم بجامع بينهما. وقيل غير ذلك. ينظر روضة الناظر 2/ 141، طلبة الطلبة ص 167.
(¬7) ينظر: المغني 3/ 107، وينظر: المُعْلِم 2/ 45.

الصفحة 72