كتاب الاختيارات الفقهية للشيخ عبيد الله المباركفوري كتاب الصيام والاعتكاف

وجه الاستدلال من الحديثين: أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فاقدروا له» معناه: قَدِّروه بحساب المنازل، وأنه خطاب لمن خصه الله بهذا العلم وأن قوله: «فأكملوا العدة» خطاب للعامة (¬1).
الدليل الرابع: عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا» يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين (¬2).
وجه الاستدلال: أن الأمر باعتماد الرؤية وحدها جاء مُعلَّلا (بعِلَّة) (¬3) منصوصة وهي: أن الأمة لا تكتب ولا تحسب، والعلة تدور مع المعلول وجودا وعدما (¬4)، فإذا وصلت الأمة إلى حال في معرفة هذا العلم باليقين في حساب أوائل الشهور وأمكن أن يثقوا به ثقتهم بالرؤية أو أقوى صار لهم الأخذ بالحساب في إثبات أوائل الشهور (¬5).
الدليل الخامس: ولأنه إذا دل الحساب على أن الهلال قد طلع من الأفق على وجه أنه يُرى لولا وجود المانع كالغيم مثلا، فهذا يقتضي الوجوب؛ لوجود السبب الشرعي. وبيان ذلك: أنه ليست حقيقة الرؤية شرطا في اللزوم؛ لأنهم متفقون على أن المحبوس في المَطْمُورة (¬6) إذا عَلِم أن اليوم من رمضان إما بإكمال العِدَّة أو بالاجتهاد بالعلامات، وجب عليه الصوم، وإن لم يَرَ الهلال، ولم يخبره من رآه (¬7).
¬_________
(¬1) ينظر: المسالك في شرح الموطأ 4/ 159.
(¬2) سبق تخريجه صفحة (80).
(¬3) العِلَّة: في اللغة: المرض، أو هي تَغَيّر المَحلّ. وفي الاصطلاح اختلف في تعريفها، وأحسن ما قيل في تعريف العلة، أنها: «وصف ظاهر منضبط دل الدليل على كونه مناطا للحكم». وهي ركن من أركان القياس. ينظر: لسان العرب 11/ 471، أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله ص 146، إرشاد الفحول 2/ 109.
(¬4) ينظر: الفروق 2/ 62.
(¬5) ينظر: بحث حكم إثبات أول الشهر القمري وتوحيد الرؤية, للشيخ بكر أبو زيد, مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد الثالث.
(¬6) المَطْمُورَة: مَكَان يحفر في الأَرْض ضيق من أعلى واسع من أسفل، قد هيئ لتحفظ فيه الغَلَّة، وهو السِجن أيضا، والجمع مطامير. ينظر: النهاية 3/ 138، المصباح المنير 2/ 378، تاج العروس 12/ 433.
(¬7) ينظر إحكام الأحكام 2/ 8.

الصفحة 82