كتاب العلل لابن أبي حاتم ت الحميد (اسم الجزء: 3)

عن النبيِّ (ص) قَالَ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ (١)
مِنْ شَوَّالٍ، فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ؟
---------------
(١) كذا في جميع النسخ، ومثلُه في مصادر التخريج وأكثر كتب الحديث والفقه، والمعدود هنا الأيام، ومفردها مذكَّر، والأفصح في ذلك أن يقال: «بستة» بتاء التأنيث؛ لأن المعدود مذكَّر، كما جاء في مطبوعة بعض كتب الحديث كـ"مصنف ابن أبي شيبة" (٩٧٢٣) ، و"السنن الكبرى" للنسائي (٢٨٦٢) ، و"التدوين في أخبار قزوين" (١/١٦٩) .
لكن قوله هنا: «بستٍّ» صحيح فصيح في العربية، ويخرج على وجهين:
الوجه الأوَّل: أن قاعدة الأعداد من ثلاثة إلى عشرة: أن يخالف العددُ المعدودَ في التذكير والتأنيث، = = بشرطين:
أولهما: أن يكون المعدود مذكورًا في الكلام.
والآخر: أن يكون المعدود متأخرًا عن لفظ العدد.
فإن لم يتحقق الشرطان معًا، بأن كان المعدود متقدِّمًا، أو كان غير مذكور في الكلام ولكنَّه ملحوظ في المعنى يتَّجه الغَرَضُ إليه-: جاز في لفظ العدد التذكيرُ والتأنيث، نحو: قرأتُ صحفًا ثلاثًا أو ثلاثة، وشاهدتُّ أربعًا أو أربعة. انظر "النحو الوافي" لعبَّاس حسن (٤/٥٣٧ و٥٤٥) .
وقال أبو حيان في "ارتشاف الضرب" (٢/٧٥٠) : «وإن أردتَّ بالعددِ المعدودَ: فإمَّا أن تذكُرَ المعدود في اللفظ أو لا تذكُرَه؛ فإن لم تذكُرْه، فالفصيح أن يكون بالتاء لمذكَّر، وبعدمها لمؤنث؛ تقول: صمتُ خمسةً، تريد: خمسة أيام، وسرتُ خمسًا، تريد: خمس ليال، ويجوز أن تحذف تاء التأنيث؛ حكى الكسائي عن أبي الجرَّاح: صمنا من الشهر خمسًا، وحكى الفراء: أفطرنا خمسًا، وصمنا خمسًا، وصمنا عشرًا من رمضان، وقال بعضهم: ما حكاه الكسائي لا يصح عن فصيح، ولا يلتفت إليه. انتهى. وتضافر النقل في الحديث: «ثم أتبعه بستٍّ من شوال» بحذف التاء، يريد: بستة أيام» . اهـ. وعن هذا اللفظ قال النووي في "شرح مسلم" (٨/٥٧ الحديث رقم ١١٦٤) : «وهو صحيح، ولو قال: "ستة" بالهاء جاز أيضًا؛ قال أهل اللغة: يقال: "صمنا خمسًا وستًّا، وخمسةً وستةً"؛ وإنما يلتزمون الهاء في المذكَّر إذا ذكروه بلفظه صريحًا، فيقولون: "صمنا ستة أيام"، ولا يجوز: ست أيام؛ فإذا حذفوا الأيام جاز الوجهان. ومما جاء حذف الهاء فيه من المذكر إذا لم يذكر بلفظه قوله تعالى: [البَقَرَة: ٢٣٤] {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} ، أي: عشرة أيام» . اهـ. وانظر: كلام السمين الحلبي على قوله تعالى: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} في "الدر المصون" (٢/٤٧٩) . وانظر في هذا الوجه: "تهذيب الأسماء واللغات" (٣/٤٢) ، و"المقرَّب" لابن عصفور (٢/٣٣٤) ، و"شرح التصريح" (٢/٤٤٧ طبعة محمد باسل عيون السود) ، و"شرح الأشموني على الألفية" (٤/١٢٥) ، و"همع الهوامع" (٣/٢٥٥ باب العدد) .
والوجه الثاني: أنه ذكر العدد باعتبار حال الجمع في المعدود لا المفرد. فإنه يقال: هذه أيام جميلة، وإن كان واحدها مذكَّرًا. وانظر في هذا المذهب التعليق على المسألة رقم (٢٥٢) .

الصفحة 88