كتاب العلل لابن أبي حاتم ت الحميد (اسم الجزء: 5)

ويحبُّ أنْ يُحْمَدَ، ويَحُجُّ ويحبُّ أَنْ يُحمَدَ، ويتصدَّقُ ويحبُّ أَنْ يُحمَدَ، حَتَّى عدَّ شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ البِرِّ؟ فَقَالا: لَيْسَ لَهُ مِنْ عَمَلِهِ شيئًا (١) ؛
يَقُولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: «أَنَا خَيرُ شَريكٍ؛ فمَنْ كانَ لهُ مَعِي شَريكٌ، فَلا حاجَةَ لِي فيه، هو كُلُّهُ لَهُ» ؟
---------------
(١) كذا في جميع النسخ: «شيئًا» ، والجادَّة: «شيءٌ» بالرفع؛ لأنه اسم «ليس» مؤخَّر، وفي مصادر التخريج: «ليس لك مِنْ عملك شيءٌ» و «ليس له شيءٌ» و «ليس بشيء» ، لكن يخرَّج ما في النسخ على ثلاثة أوجه:
الأول: على إضمار فعل ناصب، والتقدير: ليس يَجِدُ له مِنْ عَمَلِهِ شيئًا، أو: ليس يَقبلُ الله مِنْ عَمَلِهِ شيئًا، ونحو ذلك.
والوجه الثاني: أن «شيئًا» اسم لـ «ليس» ، وكان حقه الرفع، لكنَّه جاء منصوبًا لظهور المعنى وعدم اللبس، فقد جاء عن العرب الاكتفاء بالقرينة المعنوية، عن القرينة اللفظية، فنصبت الفاعل ورفعت المفعول؛ نحو قولهم: خَرَقَ الثوبُ المسمارَ، وقولهم: كَسَرَ الزجاجُ الحجرَ، وقد تكتفي بالمعنى عن الرتبة واللفظ جميعًا؛ فتقول: «أكلَتِ الكُمَّثْرَى ليلى» ، وهكذا. ولعلَّ الذي سوَّغ ذلك هنا مشاكلة قوله: «شيئًا من أنواع البر» . وانظر تعليقنا على المسألة رقم (٤٧٩) .
والوجه الثالث: على توهُّم أن «شيئًا» خبر «ليس» ؛ لتأخُّره في اللفظ؛ كأنَّه قال: ليس عملُهُ شيئًا، والتوهُّم معروفٌ في كلام العرب في باب العطف وفي غيره، وانظر "الإنصاف" (٢/٥٦٤-٥٦٥) . ويقع ذلك في القرآن، ويسمى إذْ ذاك: العَطْفَ على المعنى. وانظر "كتاب سيبويه" (١/٣٠٦-٣٠٧) و (٣/٢٩) ، و"الإنصاف" (١/١٩١- ١٩٤ و٣٩٣-٣٩٥) ، و"مغني اللبيب" (ص٤٥٣-٤٥٨) ، و"خزانة الأدب" (٤/١٤٧ - الشاهد رقم ٢٧٨) ، و"البحر المحيط" لأبي حيان، و"الدر المصون" للسمين الحلبي، و"اللباب" لابن عادل الحنبلي (في تفسير سورة البقرة: الآية ١٧) و (الأعراف: الآية ١٨٦) ، و (يوسف: الآية ٩٠) ، و (غافر: الآية ٣٧ و٧١) ، و (المنافقون: الآية ١٠) ، و (الزلزلة: الآية ٧-٨) ، وانظر كذلك "البرهان" للزركشي (٤/١١٠-١١٣) ، و"الخصائص" (٣/٢٧٣-٢٨٢ بابٌ في أغلاط العرب) .
تنبْْْيه: ورد في "الرسالة" للإمام الشافعي ثلاث عبارات على نحو ما عندنا هي:
١- قوله (ص) في حديث عبادة بن الصامت: «كان له عند الله عهدًا أن يُدخِلَه الجنَّة» [الفقرة رقم ٣٤٥] . ٢- قول الشافعي: «وقد كانت لرسول الله (ص) في هذا سننًا ليست نصًّا في القرآن» [الفقرة رقم ٤٤٠] . ٣- قول الشافعي: «ثم كانت لرسول الله (ص) في بُيوعٍ سوى هذا سننًا» [الفقرة رقم ٤٨٥] .
وقد اجتهد العلامة الشيخ أحمد شاكر محقق "الرسالة" في تخريج هذه المواضع على وجهين لا نوافقه عليهما؛ لعدم ورودهما؛ أما العبارة الأولى: فقد تقدَّم تخريجها في المسألة رقم (٢٣٩) . وأما العبارتان الثانية والثالثة: فتخرَّجان على الوجهين الثاني والثالث مما ذكرناه هنا. والله أعلم.

الصفحة 120