كتاب العلل لابن أبي حاتم ت الحميد (اسم الجزء: 5)

فعلمتُ أنَّ هَذَا الحديثَ لَيْسَ (١) مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ؛ إِنَّمَا رواه أهلُ العراق، و «جامِعٌ» مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ؛ فَرَجَعَ الحديثُ إِلَى الْعِرَاقِ؛ وَهَذَا عِنْدِي الصَّحِيحُ.
٢٢٠٦ - وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ أَبُو نُعَيم (٢) ، عَنْ قُرَّة - قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هُوَ ابْنُ خَالِدٍ، صَدُوٌق - عن عبد الله بْنِ الْقَاسِمِ؛ قَالَ: قَالَتْ عائِشَة: إنَّ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذابًا المُصَوِّرُونَ (٣) ؟
---------------
(١) قوله: «ليس» سقط من (ك) .
(٢) هو: الفضل بن دُكَين.
(٣) كذا في جميع النسخ؛ برفع «المصورون» ، وكذلك وقع عند مسلم في بعض طرقه (٢١٠٩) . ولو جاء على الجادَّة المشهورة، لقيل «المصوِّرين» ، لكنَّ مجيئَهُ بالواو كما في النسخ وعند مسلم في "صحيحه"، صوابٌ في العربية، وفيه توجيهان: الأول - ذكره ابن مالك -: أنَّ اسم «إنَّ» ضميرُ الشأن المحذوفُ، والتقدير: إنه [أي: الشأن أو الأمر] من أشد الناس ... » و «المصورون» مبتدأ مؤخَّر، خبره: «من أشد الناس» ، والجملة خبر «إن» . وابن مالك يجيز حذفَ اسم «إن» إذا كان ضميرَ الشأن مطلقًا، ومنهم من لا يجيزه إلا في الشعر. وانظر في ضمير الشأن تعليقنا على المسألة رقم (٨٥٤) .
والتوجيه الثاني - للكسائي-: أنَّ «مِن» زائدة، و «أشد الناس» ، اسمُ «إن» ، و «المصوِّرون» خبرها. والكسائي والأخفش يجيزان زيادة «مِن» مطلقًا، والجمهورُ على أنها لا تزاد مع المعرفة ولا في الكلام المثبت.
قال ابنُ مالك مناقشًا تخريج الكسائي: زيادة «من» في اسم «إن» غيرُ معروفة، وقال ابن هشام ردًّا على الكسائي أيضًا: والمعنى أيضًا يأباه؛ لأنهم ليسوا أشدَّ عذابًا من سائر الناس. اهـ. ونقول: ويعكِّر على ما ذكره ابن هشام ما ورد في بعض ألفاظ الحديث: «إن أشد الناس عذابًا» ، وذكر الحافظ ابن حجر من جمع بين هذا وما يعارضه، بحمل الرواية التي ليس فيها «من» على التي فيها «من» ، وذكر الحافظ أقوالاً في الجمع بين لفظ هذا الحديث وقوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: ٤٧] . انظر: "شرح التسهيل" (٢/١٠-١٤) ، و"مشارق الأنوار" (٢/٣٥٦) ، و"مغني اللبيب" (ص ٤٩-٥٠) ، و"رصف المباني" (ص١٩٨-٢٠٠) ، و"فتح الباري" (١٠/٣٨٣-٣٨٤) ، و"النحو الوافي" (١/٦٣٧ - مع هامش ٤) .

الصفحة 602