كتاب الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية لدى تلاميذه (اسم الجزء: 1)

وقول الزهري وحكم سليمان هو موجب الأدلة، فإن الواجب: ضمان المتلف بالمثل بحسب الإمكان، كما قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: ٤٠]، وقال: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤]، وقال: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: ١٩٤]، وقال: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: ١٢٦].
وإن كان مثل الحيوان والآنية والثياب من كل وجه متعذرا، فقد دار الأمر بين شيئين: الضمان بالدراهم المخالفة للمثل في الجنس والصفة والمقصود والانتفاع، وإن ساوت المضمون في المالية؛ والضمان بالمثل ــ بحسب الإمكان (¬١) ــ المساوي للمتلف في الجنس والصفة والمالية والمقصود والانتفاع، ولا ريب أن هذا أقرب إلى النصوص والقياس والعدل.
ونظير هذا: ما ثبت بالسنة واتفاق الصحابة من القصاص في اللطمة والضربة، وهو منصوص أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد ... وإذا كانت المماثلة من كل وجه متعذرة، حتى في المكيل والموزون، فما كان أقرب إلى المماثلة فهو أولى بالصواب، ولا ريب أن الجنس إلى الجنس أقرب مماثلة من الجنس إلى القيمة، فهذا هو القياس وموجب النصوص، وبالله التوفيق.
والأصل الثالث: أن من مثل بعبده عتق عليه، وهذا مذهب فقهاء الحديث، وقد جاءت بذلك آثار مرفوعة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، كعمر بن
---------------
(¬١) في «الفتاوى»: (مع مراعاة القيمة بحسب الإمكان).

الصفحة 665