كتاب أعلام الموقعين عن رب العالمين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو يفعل.
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} [الحجرات: ٢]. فإذا كان رفعُ أصواتهم فوق صوته سببًا لحبوط أعمالهم، فكيف تقديمُ آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياساتهم ومعارفهم على ما جاء به، ورفعُها عليه؟ أوَ ليس هذا أولى أن يكون مُحبِطًا لأعمالهم (¬١)؟
وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: ٦٢]. فإذا جعَل من لوازم الإيمان أنهم لا يذهبون مذهبًا (¬٢) إذا كانوا معه إلا باستئذانه، فأولى أن يكون من لوازمه أن لا [٢٨/أ] يذهبوا إلى قول ولا مذهب علمي إلا بعد استئذانه. وإذنُه يُعرَف بدلالة ما جاء به على أنّه أذِن فيه (¬٣).
وفي "صحيح البخاري" (¬٤) من حديث أبي الأسود عن عروة بن الزبير قال: حجَّ علينا عبد الله بن عمرو بن العاص، فسمعته يقول: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله لا ينزِع العلمَ بعد إذ أعطاكموه انتزاعًا، ولكن ينزِعه معَ قبضِ (¬٥) العلماء بعلمهم، فيبقى ناسٌ جُهَّالٌ يُستفتَون، فيُفْتُون برأيهم،
---------------
(¬١) وانظر: "الوابل الصيب" (ص ٢٠ - ٢١) و"الصواعق" (٣/ ٩٩٧).
(¬٢) بعده في ت: "حتى يستأذنوه"، وهو مقحم.
(¬٣) وانظر: "المدارج" (٢/ ٣٦٨).
(¬٤) برقم (١٠٠، ٧٣٠٧). وأخرجه مسلم (٢٦٧٣).
(¬٥) ت: "بقبض".

الصفحة 106