كتاب أعلام الموقعين عن رب العالمين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

يبيعه من يهودي أو نصراني أو من يتخذه خمرًا فقد تقحَّم النارَ على بصيرةٍ» (¬١). ذكره أبو عبد الله ابن بطَّة (¬٢).
ومن لم يراعِ القصد في العقد لم ير بذلك بأسًا، وقاعدة الشريعة التي لا يجوز هدمها أن المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعبارات (¬٣) كما هي معتبرة في التقربات والعبادات؛ فالقصد والنية والاعتقاد يجعل الشيء حلالًا وحرامًا، وصحيحًا وفاسدًا، وطاعة ومعصية، كما أن القصد في العبادة يجعلها واجبة أو مستحبة أو محرمة، وصحيحة أو فاسدة.
ودلائل هذه القاعدة تفوت الحصر، فمنها قوله تعالى في حق الأزواج إذا طلَّقوا أزواجهم طلاقًا رجعيًّا: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البقرة: ٢٢٨]، وقوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} [البقرة: ٢٣١]، وذلك نص في أن الرجعة إنما ملَّكها الله سبحانه لمن قصد الصلاح دون مَن قصد الضرار.
وقوله في الخلع: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: ٢٢٩]، وقوله: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: ٢٣٠]، فبيَّن سبحانه أن الخلع المأذون فيه والنكاح
---------------
(¬١) رواه الطبراني في «الأوسط» (٥٣٥٦)، وفي إسناده الحسن بن مسلم المروزي، قال فيه أبو حاتم كما في «الجرح والتعديل» (٣/ ٣٦): لا أعرفه، وحديثه يدل على الكذب. وقال الذهبي في «الميزان» (١/ ٥٢٣): أتى بخبر موضوع في الخمر.
(¬٢) لعله ذكره في «تحريم الخمر» له، وهو من كتبه المفقودة.
(¬٣) ز: «العبادات».

الصفحة 577