كتاب أعلام الموقعين عن رب العالمين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

المأذون فيه (¬١) إنما يباح إذا ظنّا أن يقيما حدود الله.
وقال تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: ١٢]، فإنما قدّم الله سبحانه الوصية على الميراث إذا لم يَقصد بها الموصي الضرارَ؛ فإن قصده فللورثة إبطالُها وعدم تنفيذها. وكذلك قوله: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٨٢]، فرفع الإثم عمن أبطل الجنف والإثم من وصية الموصي، ولم يجعلها بمنزلة نص الشارع الذي تحرم مخالفته.

وكذلك الإثم مرفوع عمن أبطل من شروط الواقفين ما لم يكن إصلاحًا، وما كان فيه جنفٌ أو إثم، ولا يحلُّ لأحدٍ أن يجعل هذا الشرط الباطل المخالف لكتاب الله بمنزلة نص الشارع، ولم يقل هذا أحد من أئمة الإسلام، بل قد قال إمام الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه: [٣٣/أ] «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرطٍ، كتابُ الله أحقُّ، وشرط الله أوثقُ» (¬٢). فإنما ينفذ من شروط الواقفين ما كان لله طاعةً، وللمكلف مصلحةً، وأما ما كان بضد ذلك فلا حرمة له، كشرط التعزُّب والترهُّب المضاد لشرع الله ودينه؛ فإنه سبحانه فتح للأمة باب النكاح بكل طريق، وسدَّ عنهم باب السفاح بكل طريق، وهذا الشرط الباطل مضادٌّ لذلك؛ فإنه يسدُّ على من التزمه باب النكاح، ويفتح له باب الفجور، فإن لوازم البشرية تتقاضاها الطباع أتمَّ تقاضٍ، فإذا سدّ عنها مشروعها فتحت لها
---------------
(¬١) «فيه» ليست في د.
(¬٢) رواه البخاري (٢١٥٥) ومسلم (١٥٠٤/ ٦) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

الصفحة 578