كتاب أعلام الموقعين عن رب العالمين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

قضى الله من أن لا يُحكَم على أحد إلا باعترافٍ على نفسه أو بينة، ولم يعرض لشريك ولا للمرأة، وأنفذ الحكم وهو يعلم أن أحدهما كاذب، ثم علم بعدُ أن الزوج هو الصادق.
ثم ذكر حديث رُكانة أنه طلَّق امرأته البتة، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استحلفه ما أردتَ إلا واحدة، فحلف له فردَّها إليه (¬١)، قال: وفي ذلك وغيره دليلٌ على أنّ حرامًا على الحاكم أن يقضي أبدًا على أحد من عباد الله إلا بأحسنِ ما يظهر، وإن احتمل ما يظهر غيرَ أحسنِه كانت عليه دلالة على ما يخالف أحسنه.
وقوله (¬٢): بلى لما حكم الله في الأعراب الذين قالوا آمنّا، وعلم الله أن الإيمان لم يدخل قلوبَهم بما أظهروا من الإسلام، ولما حكم في المنافقين الذين علم أنهم آمنوا ثم كفروا، وأنهم كاذبون بما أظهروا من الإيمان بحكم الإسلام، وقال في المتلاعنين: «أبصِروها، فإن جاءت به كذا وكذا فلا أُراه إلا قد صدقَ عليها»، فجاءت به كذلك (¬٣)، ولم يجعل له إليها سبيلًا؛ إذ لم يُقرَّا (¬٤) ولم تقم عليهما بينة. وأبطل في حكم الدنيا عنهما استعمالَ الدلالة، التي لا توجد في الدنيا دلالة بعد دلالة الله على المنافقين والأعراب أقوى
---------------
(¬١) «إليه» ساقطة من د. والحديث رواه أبو داود (٢٢٠٦)، وأبو داود الطيالسي (١٢٨٤) والدارقطني (٣٩٧٨)، ورجاله كلهم ثقات إلا نافع بن عجير لم يوثقه إلا ابن حبان، وأورده ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. انظر: «الإرواء» (٧/ ١٤٢).
(¬٢) أي قول الشافعي في «الأم» (٩/ ٦٤). والكلام متصل بما قبله.
(¬٣) تقدم تخريجه في قصة عويمر وشريك.
(¬٤) في النسختين: «إذا لم يقر». والمثبت من «الأم»، وهو الموافق لما بعده.

الصفحة 586