كتاب أعلام الموقعين عن رب العالمين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

أظهر نصرانية أو يهودية أو دينًا يُظهِر كالمجوسية استتبتُه، فإن أظهر التوبة [٣٥/أ] قبلتُ (¬١) منه، ومن رجع إلى دينٍ خفيةً (¬٢) لم أستتبه، وكلٌّ قد بدَّل دين الحق ورجع إلى الكفر، فكيف يُستتاب بعضهم ولا يستتاب بعض؟
فإن قال (¬٣): لا أعرف توبة الذي يُسِرُّ دينه، قيل: ولا يعرفها إلا الله، وهذا ــ مع خلافه حكم الله ثم رسوله ــ كلام محال. يُسأل من قال هذا: هل تدري لعل الذي كان أخفى الشرك يصدق بالتوبة، والذي كان أظهر الشرك يكذب بالتوبة (¬٤)؟ فإن قال: نعم، قيل: فتدري لعلك قتلتَ المؤمن الصادق الإيمان واستحييت الكاذب بإظهار الإيمان؟ فإن قال: ليس عليَّ إلا الظاهر، قيل: فالظاهر فيهما واحد وقد جعلته اثنين بعلة محالة. والمنافقون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يُظهروا يهودية ولا نصرانية ولا مجوسية، بل كانوا يستسرُّون بدينهم، فيقبل منهم ما يظهرون من الإيمان، فلو كان قائل هذا القول حين خالف السنة أحسن أن يقول شيئًا له وجه، ولكنه يخالفها ويعتلُّ بما لا وجه له، كأنه يرى أن اليهودية والنصرانية لا تكون إلا بإتيان الكنائس، أرأيت إذا كانوا ببلادٍ لا كنائسَ فيها أمَا يصلُّون في بيوتهم فتخفى صلاتهم على غيرهم؟
قال: وما وصفتُ (¬٥) من حكم الله ثم حكم رسوله في المتلاعنين يُبطِل
---------------
(¬١) د: «قبل». والمثبت موافق لما في «الأم».
(¬٢) في «الأم»: «يخفيه».
(¬٣) الكلام متصل بما قبله في «الأم».
(¬٤) د، ز: «التوبة». والمثبت موافق لما في «الأم».
(¬٥) ز: «وصف».

الصفحة 588