كتاب أعلام الموقعين عن رب العالمين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

إذا عُرِف هذا فالواجب حمل كلام الله ورسوله وحمل كلام المكلَّف على ظاهره الذي هو ظاهره، وهو الذي يقصد من اللفظ عند التخاطب، ولا يتمُّ التفهيم والفهم إلا بذلك. ومدَّعي غيرِ ذلك على المتكلم القاصد للبيان والتفهيم كاذبٌ عليه. قال الشافعي (¬١): وحديث رسول الله [٣٧/أ]- صلى الله عليه وسلم - على ظاهره بتٌّ.
ومن ادعى أنه لا طريق لنا إلى اليقين بمراد المتكلم لأن العلم بمراده موقوف على العلم بانتفاء عشرة أشياء (¬٢) = فهو ملبوس عليه ملبِّس على الناس؛ فإن هذا لو صح لم يحصل لأحدٍ العلمُ بكلام متكلم قطُّ، وبطلت فائدة التخاطب، وانتفت خاصية الإنسانية، وصار الناس كالبهائم، بل أسوأ حالًا، ولما عُلِم غرض هذا المصنّف من تصنيفه، وهذا باطل بضرورة الحس والعقل، وبطلانه من (¬٣) أكثر من ثلاثين وجهًا مذكورة في غير هذا الموضع (¬٤).
ولكن حمل كلام المتكلمين على ظاهره لا ينبغي صرفه عن ذلك لدلالة تدل عليه، كالتعريض ولحن الخطاب والتورية وغير ذلك، وهذا أيضًا مما لا ينازع فيه العقلاء. وإنما النزاع في الحمل على الظاهر حكمًا بعد ظهور مراد المتكلم والفاعل بخلاف ما أظهره؛ فهذا هو الذي وقع فيه النزاع، وهو: هل الاعتبار بظواهر الألفاظ والعقود وإن ظهرت المقاصد
---------------
(¬١) لم أجد كلامه في مظانه.
(¬٢) هذا قول الرازي في «المحصّل» (ص ٣١).
(¬٣) «من» ليست في د.
(¬٤) ذكرها المؤلف في «الصواعق المرسلة» (٢/ ٦٣٣ وما بعدها).

الصفحة 597