كتاب أعلام الموقعين عن رب العالمين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

والامتناع فيكون يمينًا مكفّرة. وكذلك تعليق الكفر بالشرط ينوي به اليمين والامتناع فلا يكفر بذلك، وينوي به وقوع الشرط فيكفر، وصورة اللفظ واحدة. وكذلك ألفاظ الطلاق صريحها وكنايتها ينوي بها الطلاق فيكون ما نواه وينوي بها غيره فلا تطلَّق. وكذلك قوله: «أنت عندي مثل [٣٧/ب] أمي» ينوي به الظهار فتحرم عليه، وينوي به أنها مثلها في الكرامة فلا تحرم عليه. وكذلك من أدَّى عن غيره واجبًا ينوي الرجوع ملكه وإن نوى (¬١) التبرع لم يرجع.
وهذه كما أنها أحكام الرب تبارك وتعالى في العقود فهي أحكامه تعالى في العبادات والمثوبات والعقوبات؛ فقد اطَّردت سنته بذلك في شرعه وقدره، أما العبادات فتأثير النيات في صحتها وفسادها أظهر من أن يُحتاج إلى ذكره؛ فإن القربات كلها مبناها على النيات، ولا يكون الفعل عبادة إلا بالنية والقصد. ولهذا لو وقع في الماء ولم ينوِ الغسل أو دخل الحمام للتنظيف أو سَبَحَ للتبرُّد لم يكن غسله قربة ولا عبادة بالاتفاق، فإنه لم ينوِ العبادة فلم تحصل له، وإنما لامرئ ما نوى. ولو أمسك عن المفطرات عادةً أو اشتغالًا ولم ينوِ القربة لم يكن صائمًا. ولو دار حول البيت يلتمس شيئًا سقط منه لم يكن طائفًا. ولو أعطى الفقير هبةً أو هديةً ولم ينوِ الزكاة لم تُحتَسب زكاة. ولو جلس في المسجد ولم ينوِ الاعتكاف لم يحصل له.
وهذا كما أنه ثابت في الإجزاء والامتثال فهو ثابت في الثواب والعقاب؛ ولهذا لو جامعَ أجنبيةً يظنُّها زوجته لم يأثم بذلك وقد يُثاب بنيته، ولو جامع في ظلمة (¬٢) من يظنُّها أجنبية فبانت زوجته أو أمته أثِمَ على ذلك بقصده ونيته
---------------
(¬١) د: «نوع» خطأ.
(¬٢) «في ظلمة» ليست في ز.

الصفحة 599