كتاب أعلام الموقعين عن رب العالمين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

التحريم من هذين الوجهين لعنهم الله على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - على هذا الاستحلال، نظرًا إلى المقصود، وأن حكمة التحريم لا تختلف سواء كان جامدًا أو مائعًا، وبدلُ الشيء يقوم مقامه ويسدُّ مسدَّه، فإذا حرَّم الله الانتفاع بشيء حرَّم الاعتياض عن تلك المنفعة، وأما ما أبيح الانتفاع به من وجه دون وجه كالحُمُر (¬١) مثلًا فإنه يجوز بيعها لمنفعة الظهر المباحة لا لمنفعة اللحم المحرَّمة. وهذا معنى حديث ابن عباس الذي رواه أبو داود (¬٢) وصحَّحه الحاكم وغيره: «لعنَ الله اليهود، حُرِّمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرَّم على قومٍ أكلَ شيء حرَّم عليهم ثمنَه» يعني ثمنه المقابل لمنفعة الأكل، فإذا كانت فيه منفعة أخرى وكان الثمن في مقابلتها لم يدخل في هذا.
إذا تبيَّن (¬٣) هذا فمعلوم أنه لو كان التحريم معلَّقًا بمجرد اللفظ وبظاهرٍ من القول دون مراعاةٍ لمقصودِ الشيء المحرَّم ومعناه وكيفيته لم يستحقُّوا اللعنة لوجهين:
أحدهما: أن الشحم خرج بجَمْله عن أن يكون شحمًا، وصار وَدَكًا، كما يخرج الربا بالاحتيال فيه عن لفظ الربا إلى أن يصير بيعًا عند من يستحل ذلك؛ فإن من أراد أن يبيع مائة بمائة وعشرين إلى أجل فأعطى سِلعةً بالثمن
---------------
(¬١) جمع حمار. وفي «بيان الدليل»: «كالحمير».
(¬٢) رواه أحمد (٢٢٢١) وأبو داود (٣٤٨٨)، وصححه ابن حبان (٤٩٣٨). ولم أجده في «المستدرك» من حديث ابن عباس. بل رواه الحاكم (٤/ ١٩٤) من حديث أسامة بن زيد وصححه، ولفظه: «لعن الله اليهود، يحرمون شحوم الغنم ويأكلون أثمانها».
(¬٣) الكلام لشيخ الإسلام، وزاد فيه المؤلف وشرحه.

الصفحة 602