كتاب أعلام الموقعين عن رب العالمين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

التحليل، وببعتُ واشتريت يقصد الربا، وبخالعتُها يقصد الحيلة على فعل المحلوف عليه، وبملكتُ يقصد التحيُّل على إسقاط الزكاة أو الشفعة (¬١)، وما أشبه ذلك= فهذا لا يحصل له مقصوده الذي قصده وجعل ظاهر اللفظ والفعل وسيلةً إليه؛ فإن في تحصيل مقصوده تنفيذًا للمحرَّم، وإسقاطًا للواجب، وإعانةً على معصية الله، ومناقضةً لدينه وشرعه، فإعانته على ذلك إعانة على الإثم والعدوان. ولا فرقَ بين إعانته على ذلك بالطريق التي وُضِعت مُفضِيةً إليه وبين إعانته بالطريق التي وُضِعت مفضيةً إلى غيره؛ فالمقصود إذا كان واحدًا لم يكن اختلاف الطرق الموصلة إليه بموجبٍ لاختلاف حكمه فيحرم من طريق ويحلُّ بعينه من طريق أخرى.
والطرقُ وسائل وهي مقصودة لغيرها، فأيّ فرق بين التوسل إلى الحرام بطريق الاحتيال والمكر والخداع والتوسل إليه بطريق المجاهرة التي يوافق فيها السرُّ الإعلانَ (¬٢) والظاهرُ الباطنَ والقصدُ للّفظ، بل سالك هذه الطريق قد تكون عاقبته أسلمَ وخطره أقلَّ من سالك تلك من وجوه كثيرة، كما أن سالك طريق الخداع والمكر عند الناس أمقتُ وفي قلوبهم أوضعُ وهم عنه أشدُّ نفرةً من آتي الأمرِ على وجهه وداخلِه من بابه؛ ولهذا قال أيوب السختياني ــ وهو من كبار التابعين وساداتهم وأئمتهم ــ في هؤلاء: «يخادعون الله كما يخادعون الصبيان، لو أَتَوا الأمرَ على وجهه كان أسهلَ عليهم» (¬٣).
---------------
(¬١) د: «الشفعة أو الزكاة».
(¬٢) ز: «والإعلان».
(¬٣) رواه البخاري (١٢/ ٣٣٦ - مع الفتح) معلقًا بصيغة الجزم بنحوه. وانظر: «تغليق التعليق» (٥/ ٢٦٤).

الصفحة 615