كتاب أعلام الموقعين عن رب العالمين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

وحاصل الأمر أن اللعب والهزل والمزاح في حقوق الله غير جائز، فيكون جدُّ القول وهزلُه سواء، بخلاف جانب العباد. ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يمزح مع أصحابه ويباسطهم، وأما مع ربه تبارك وتعالى فيجِدُّ كلَّ الجِدّ، ولهذا قال للأعرابي يمازحه: «مَن يشتري منّي العبدَ؟» فقال: تجدني رخيصًا يا رسول الله؟ فقال: «بل أنت عند الله غالٍ» (¬١). وقصد - صلى الله عليه وسلم - أنه عبد الله، والصيغة صيغة استفهام. وهو - صلى الله عليه وسلم - كان يمزح ولا يقول إلا حقًّا (¬٢). ولو أن رجلًا قال: «من يتزوَّج أمي أو أختي» لكان من أقبح الكلام، وقد كان عمر - رضي الله عنه - يضرب من يدعو امرأته أخته، وقد جاء في ذلك حديث مرفوع رواه أبو داود (¬٣) أن رجلًا قال لامرأته: يا أُخَيَّة (¬٤)، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أختُك هي؟». وإنما جعل إبراهيم ذلك حاجةً لا مُزاحًا (¬٥).
ومما يوضّحه أن عقد النكاح يُشبِه العبادات في نفسه، بل هو مقدَّم على
---------------
(¬١) رواه أحمد (١٢٦٤٨) والترمذي في «الشمائل» (٢٢٩) من حديث أنس - رضي الله عنه -، وصححه ابن حبان (٥٧٩٠) وابن حجر في «الإصابة» (٢/ ٤٥٢).
(¬٢) رواه أحمد (٨٧٢٣) والترمذي (١٩٩٠) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وحسنه الترمذي والبغوي (٣٦٠٢).
(¬٣) برقم (٢٢١٠) وهو مرسل، وقد وصله أبو داود في الحديث الذي بعده (٢٢١١)، والحديث في إسناده اضطراب. انظر: «ضعيف أبي داود» - الأم (٢/ ٢٤٠).
(¬٤) د: «أخته». وفي ز بدون نقط، والمثبت من أبي داود.
(¬٥) إشارة إلى الحديث الذي رواه البخاري (٣٣٥٨) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا، وفيه: «بينا هو (أي إبراهيم) ذاتَ يومٍ وسارةُ، إذ أتى على جبَّار من الجبابرة، فقيل له: إن ههنا رجلًا معه امرأة من أحسن النساء، فأرسل إليه فسأله عنها، فقال: من هذه؟ قال: أختي ... ».

الصفحة 621