كتاب أعلام الموقعين عن رب العالمين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

والمؤمنين على حال المرأة بشَبَه الولد لمن رُمِيتْ به، وكما قال: «إنما أقضي بنحوٍ مما أسمع، فمن قضيتُ له بشيء من حقِّ أخيه فإنما أقطعُ له قطعةً من النار» (¬١). وقد يُطلِعه الله سبحانه على حالِ آخذِ ما لا يحلُّ له أخذه، ولا يمنعه ذلك من إنفاذ الحكم.
وأما الذي قال: «يا رسول الله، إن امرأتي ولدتْ غلامًا أسودَ» (¬٢)، فليس فيه ما يدل على القذف لا صريحًا ولا كنايةً (¬٣)، وإنما أخبره بالواقع مستفتيًا عن حكم هذا الولد: أيستلحقه مع مخالفة لونه للونه أم ينفيه؟ فأفتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقرَّب له الحكمَ بالشَّبه الذي ذكره؛ ليكون أذعنَ لقبوله وانشراحِ الصدر له، ولا يقبله على إغماض. فأين في هذا ما يُبطِل حدَّ القذف بقول من يشاتم غيره: «أما أنا فلستُ بزانٍ، وليستْ أمي بزانية»، ونحو هذا من التعريض الذي هو أوجعُ وأنكى من التصريح، وأبلغ في الأذى، وظهوره عند كل سامع بمنزلة ظهور الصريح، فهذا لون وذاك لون، وقد حدَّ عمر بالتعريض في القذف، ووافقه الصحابة - رضي الله عنهم -.
وأما قوله - رحمه الله - (¬٤): «إنه استشار أصحابه فخالفه بعضهم»، فإنه يريد ما رواه عن مالك عن أبي الرجال عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أن رجلين استبَّا في زمن عمر بن الخطاب، فقال أحدهما للآخر: والله ما أنا بزانٍ ولا أمي بزانية، فاستشار في ذلك عمر بن الخطاب، فقال قائل: مدح أباه وأمه،
---------------
(¬١) تقدم تخريجه.
(¬٢) تقدم تخريجه.
(¬٣) د: «لا كنايةً ولا صريحًا».
(¬٤) د: «رضي الله عنه».

الصفحة 625