كتاب أعلام الموقعين عن رب العالمين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

صحيحًا إذا لم يثبت أن الباطن بخلافه (¬١)، فإذا قام دليل على الباطن لم يُلتفت إلى ظاهر قد علم أن الباطن يخالفه. ولهذا اتفق الناس على أنه لا يجوز للحاكم أن يحكم بخلاف علمه، وإن شهد عنده بذلك العدولُ (¬٢)، وإنما يحكم بشهادتهم إذا لم يعلم خلافها. وكذلك لو أقرَّ إقرارًا عُلِم أنه كاذب فيه، مثل أن يقول لمن هو أسنُّ منه «هذا ابني» لم يثبت نسبه ولا ميراثه اتفاقًا. وكذلك الأدلة الشرعية مثل خبر الواحد العدل والأمر والنهي والعموم والقياس إنما يجب اتباعها إذا لم يقم دليل أقوى منها يخالف ظاهرها.
وإذا عُرف هذا فهذا الزنديق قد قام الدليل على فساد عقيدته، وتكذيبه واستهانته بالدين، وقَدْحه فيه؛ فإظهاره الإقرار والتوبة بعد القدرة عليه ليس فيه أكثر ما كان يظهره قبل هذا، وهذا القدر قد بطلت دلالته بما أظهره من الزندقة؛ فلا يجوز الاعتماد عليه لتضمُّنه إلغاءَ الدليل القوي وإعمالَ الدليل الضعيف الذي قد ظهر بطلان دلالته، ولا يخفى على المنصف قوةُ هذا النظر وصحةُ هذا المأخذ. وهذا مذهب أهل المدينة: مالك وأصحابه والليث بن سعد، وهو المنصور من الروايتين عن أبي حنيفة، وهو إحدى (¬٣) الروايات عن أحمد نصرها كثير من أصحابه، بل هي أنصُّ الروايات عنه، وعن أبي حنيفة وأحمد أنه يستتاب، وهو قول الشافعي، وعن أبي يوسف روايتان؛ إحداهما: أنه يستتاب، وهي الرواية الأولى عنه، ثم قال آخرًا: أقتلُه
---------------
(¬١) في هامش د: «يخالفه».
(¬٢) د: «بذلك العدول عنده».
(¬٣) ز: «أحد».

الصفحة 629