كتاب أعلام الموقعين عن رب العالمين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)

يجب على المفتي أن يجيبه عنها. وقد كان السلف الطيب إذا سئل أحدهم عن مسألة يقول للسائل: هل كانت أو وقعت؟ فإن قال: لا، لم يجبه، وقال: دعنا في عافية (¬١). وهذا لأن الفتوى بالرأي لا تجوز إلا عند الضرورة، فالضرورة تبيحه كما تبيح الميتةَ عند الاضطرار. وهذا إنما هو في مسألة لا نصّ فيها ولا إجماع، فإن كان فيها [١٨٦/ب] نص أو إجماع فعليه تبليغه بحسب الإمكان. فمن سُئل عن علمٍ فكتَمه ألجمَه الله يوم القيامة بلجام من نار (¬٢). هذا إذا أمن المفتي غائلة الفتوى؛ فإن لم يأمن غائلتها، وخاف من ترتُّب شرٍّ أكبر من الإمساك عنها، أمسك عنها ترجيحًا لدفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما.
وقد أمسك النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن نقض الكعبة وإعادتها على قواعد إبراهيم، لأجل حِدْثانِ عهدِ قريش بالإسلام (¬٣)، وأنَّ ذلك ربما نفَّرهم عنه بعد الدخول فيه.
وكذلك إن كان عقل السائل لا يحتمل الجوابَ عما سأل عنه، وخاف المسؤول أن يكون فتنةً له، أمسك عن جوابه. قال ابن عباس - رضي الله عنهما - لرجل
---------------
(¬١) انظر ما يأتي في الفائدة الثامنة والثلاثين.
(¬٢) يشير إلى الحديث المروي عن أبي هريرة وغيره. رواه عن أبي هريرة أحمد (٧٥٧١، ومواضع أخرى)، وأبو داود (٣٦٥٨)، والترمذي (٢٦٤٩) وحسنه، وابن ماجه (٢٦٦). صححه ابن حبان (٩٥) والحاكم (١/ ١٠١). وهو عند الحاكم (١/ ١٠٢) وغيره عن ابن عمرو أيضًا، وعند ابن ماجه عن أنس (٢٦٤) وأبي سعيد (٢٦٥)، وعند الطبراني من حديث ابن عباس (١١/ ٥، ١٤٥) وابن عمرو (١٣/ ٢٠، ١٤/ ٣٢) وابن مسعود (١٠/ ١٠٢، ١٢٨). «المقاصد الحسنة» (١١٣٥).
(¬٣) كما جاء في حديث عائشة الذي رواه البخاري (١٥٨٣) ومسلم (١٣٣٣).

الصفحة 4