كتاب أعلام الموقعين عن رب العالمين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 5)

فتأمَّلْ كيف أتبع الجملة الأولى بالثانية رفعًا لتوهُّم إهدار دماء الكفار مطلقًا، وإن كانوا في عهدهم. فإنه لما قال: «لا يُقتَل مؤمن بكافر» فربما ذهب الوهم إلى أن دماءهم هدَرٌ، ولهذا لو قتل أحدَهم مسلمٌ لم يُقتَل به، فرفع هذا التوهُّمَ بقوله: «ولا ذو عهد في عهده». ولقد خفيت هذه اللطيفة الحسنة على من قال: يُقتَل المسلمُ بالكافر المعاهد، وقدَّر في الحديث: ولا ذو عهد في عهده بكافر (¬١).
ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تجلسوا على القبور ولا تصلُّوا إليها» (¬٢). فلما كان نهيُه عن الجلوس عليها نوعَ تعظيمٍ لها عقَّبه بالنهي عن المبالغة في تعظيمها حتى تُجعَل قبلة (¬٣).
وهذا بعينه مشتقٌّ من القرآن، كقوله تعالى لنساء نبيِّه: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} [الأحزاب: ٣٢]. فنهاهن عن الخضوع بالقول، فربما ذهب الوهم إلى الإذن في الإغلاظ في القول والتجاوز، فرفَع هذا التوهُّمَ بقوله: {وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (¬٤).
ومن ذلك: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ [١٨٧/ب] آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ
---------------
(¬١) وانظر أيضًا ما يأتي في فتاوى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(¬٢) سبق تخريجه.
(¬٣) ذكر هذا المعنى مرة أخرى في فتاوى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(¬٤) نبَّه على هذا المعنى في «الصواعق المرسلة» (١/ ٣٩٣) أيضًا.

الصفحة 9