لا تعجبي يا سلم من رجل … ضحك المشيب برأسه فيكى
فإن «الضحك» هنا من جهة المعنى ليس بضد «البكاء»، لأنه كناية عن كثرة الشيب، ولكنه من جهة اللفظ يوهم المطابقة.
ومنه قول قريط بن أنيف:
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة … ومن إساءة أهل السوء إحسانا
«فالظلم» ليس بضد «المغفرة» وإنما يوهم بلفظه أنه ضد.
وقول شاعر آخر:
وأخذت أطرار الكلام فلم تدع … شتما يضر ولا مديحا ينفع
فضد المديح هو الهجاء وليس الشتم وإن كان قريبا من معناه، ولهذا فاستعماله ضدا للمديح هو من قبيل إيهام التضاد.
...
ظهور التضاد وخفاؤه:
والتضاد بين المعنيين قد يكون ظاهرا كما في الأمثلة السابقة، وقد يكون خفيا كقوله تعالى: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً (¬1) فإدخال النار ليس ضد الإغراق في المعنى، ولكنه يستلزم ما يقابله وهو الإحراق؛ فإن من دخل النار احترق، والاحتراق ضد الغرق.
ومثله أيضا قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ. فالمطابقة هنا هي في الجمع بين «أشداء ورحماء» فلفظة «رحماء» ليست ضدا في المعنى «لأشداء» ولكن الرحمة تستلزم
¬__________
(¬1) مما خطاياهم: من أجل خطاياهم وبسببها.