كتاب علم اللغة

غرضها الفذ، وذلك أن الأغراض السابقة ليست في الواقع إلّا وسائل للوصول إليه؛ فعلم اللغة لا يعرض لحقيقة الظواهر اللغوية والوظائف التي تؤديها, والعلاقات التي تربطها بعض ببعض, والتي تربطها بغيرها, والتطورات التي تعتريها ... لا يعرض لهذا كله لمجرد الوصف وسرد الحقائق التاريخية، ولكن ليصل في ضوئه إلى كشف القوانين الخاضعة لها هذه الظواهر.
3- قوانين العلوم:
وبهذه المناسبة لا نرى مندوحةً عن ذكر كلمة عن قوانين علم اللغة التي قررنا أنها الغرض الأساسي في دراساته. -وسنمهد لهذا بالكلام على قوانين العلوم على العموم فنقول:
تطلق كلمة القوانين في العرف العلمي على الأصول العامة التي تبين ارتباط الأسباب بمسبباتها, والمقدمات بنتائجها اللازمة، أو بعبارة أخرى: التي تنبئ بحدوث نتائج معينة لازمة إذا حدثت أسباب خاصة, وترجع النتائج الحادثة إلى أسبابها1. فما يقرره علماء الرياضيات والطبيعيات والاقتصاد وغيرهم من القواعد التي تبين علاقة السببية بين أمرين أو أكثر, يصدق عليه اسم قوانين؛ وذلك كقوانين ضرب عدد في عدد2, وقوانين الربح3, وقوانين تساوي المثلثين4, في الرياضيات
__________
1 يعرفها منتسكيو بأنها: "العلاقات الضرورية التي تنشأ من طبيعة الأشياء".
2 مثال ذلك: إذا ضربت أربع وحدات في خمس وحدات, كان الحاصل عشرين وحدة.
3 مثال ذلك: ربح مبلغ ما يساوي حاصل ضرب رأس المال في الزمن في السعر مقسومًا على مائة.
4 مثال ذلك: ينطبق المثلثان كلٌّ على الآخر تمام الانطباق إذا ساوى في كل ضلعان والزاوية المحصورة بينهما نظائرها في الآخر.

الصفحة 17