كتاب علم اللغة

ينطق به ممالًا. والصوت العام للجيم ليس له في العربية إلّا حرف واحد, مع أنه في بعض اللهجات ينطق به مجردًا من التعطيش، وفي بعضها ينطق به معطشًا كل التعطيش، وفي بعضها ينطق به بين هذا وذاك1.
وثانيها: أن كثيرًا من أنواع الرسم يقتصر على الرمز إلى الأصوات الهامة في الكلمة, ويغفل ما عداها، كأنواع الرسم السامي؛ إذ تغفل الرمز إلى أصوات المد الطويلة والقصيرة معًا, أو إلى القصيرة وحدها2.
وثالثها: أن أصوات اللغة -كما سبقت الإشارة إلى ذلك3 وكما سيأتي بيانه مفصلًا4- في تطور مطرد وتغير دائم؛ فالأصوات التي تتألف منها كلمة ما, لا تجمد على حالتها القديمة، بل تتغير بتغير الأزمنة والمناطق، وتتأثر بطائفة كبيرة من العوامل الطبيعية والاجتماعية واللغوية, فأحيانًا يسقط منها بعض أصواتها القديمة، وأحيانًا يضاف إليها أصوات جديدة، وتارةً يستبدل ببعض أصواتها أصوات أخرى، وتارةً تحرف أصواتها عن مواضعها, فيختل ترتيبها القديم ... وقد ينالها أكثر من تغير واحد من هذه التغيرات، على حين أن الرسم لا يساير النطق في هذا التطور، بل يميل غالبًا إلى الجمود على حالته القديمة, أو ما يقرب منها، فلا يدون الكلمة على الصورة التي انتهت إليها أصواتها، بل على الصورة التي كانت عليها من قبل, وهذا هو منشأ الخلاف في معظم اللغات الأوروبية الحديثة بين النطق الحالي لكثير من الكلمات وصورتها في الرسم, فمعظم وجوه هذا الخلاف ترجع إلى جمود الرسم وتمثيله لصور صوتية قديمة نالها مع الزمن كثير من التغير في ألسنة الناطقين باللغة.
ومع ما للرسم من الفوائد الجليلة التي أشرنا إليها في صدر هذه
__________
1 انظر صفحتي 41، 42.
2 انظر ص 219.
3 انظر ص250.
4 انظر الفصل الخامس من هذا الباب.

الصفحة 275