كتاب علم اللغة

هذا، وعلى الرغم من المساوئ السابق ذكرها، فإن لجمود الرسم على حالته القديمة أو ما يقرب منها بعض فوائد جديرة بالتنويه؛ فهو يوحد شكل الكتابة في مختلف العصور، ويسهل تناقل اللغة، ويمكن الناس في كل عصر من الانتفاع بمؤلفات سلفهم وآثارهم, فلو كان الرسم يتغير تبعًا لتغير أصوات الكلمات لأصبحت كتابة كل جيل غريبة على الأجيال اللاحقة له، ولاحتاج الناس في كل عصر إلى تعلم طرق النطق والإلمام بحالة اللغة في العصور السابقة لهم, حتى يستطيعوا الانتفاع بمخلفات آبائهم, هذا إلى أن جمود الرسم على حالته القديمة يفيد الباحث في اللغات أكبر فائدة؛ فهو يعرض له صورة صحيحة لأصول الكلمات, ويقفه على ما كانت عليه أصواتها في أقدم عصور اللغة؛ فالرسم للألفاظ أشبه شيء من هذه الناحية بالمتحف للآثار.
وقد كان للرسم في اللغات الأوروبية فضل كبير في تيسير النطق بكثير من الأسماء المتداولة المركبة من عدة كلمات, فقد جرت العاة أن يكتفي في التعبير عن هذه الأسماء بذكر الحروف الأولى التي تتألف منها كلماتها:
T S F = telegraphe sans fil" M A = Master of arts"
وشاع هذا الاستعمال في أسماء المخترعات والشركات والأحزاب والفرق الحزبية والنظريات والشهادات العلمية, وما إلى ذلك. وقد أنزلت هذه الرموز منزلة الكلمات, وأخذ الناس يصرفونها وينسبون إليها ويشتقون منها أفعالًا وصفات, وللاقتصار عليها وكثرة استخدامها في الحديث والكتابة تنوسى أصلها عند عامة الناس، وأصبح كثير منهم يعتقد أنها كلمات كاملة "النازي، الأنزاك، النافي، اليونسكو.. إلخ".
وللرسم أثر كبير في تحريف النطق بالكلمات التي يقتبسها الكتاب والصحفيون عن اللغات الأجنبية, وذلك أن اختلاف اللغات في الأصوات

الصفحة 278