كتاب علم اللغة

وقدرة على تدوين الآداب والعلوم. ويرجع كذلك أكبر قسط من الفضل في نهضة اللغة العربية بمصر في العصر الحاضر إلى انتفاع الصحفيين والأدباء والعلماء باللغات الأوروبية الحديثة، ومحاكاتهم لأساليبها، وتعريبهم أو ترجمتهم لألفاظها ومصطلحاتها، واستغلالهم في مؤلفاتهم ومترجماتهم لمنتجات أهلها في شتّى ميادين الحركة الفكرية, ولغة الكتابة بفرنسا في العصر الحاضر مدينة بأهم نواحي رقيها إلى تأثرها باللغتين اللاتينية والإغريقية من جهة, وباللغات الأوروبية الحديثة من جهة أخرى, فمنذ "عصر النهضة" Renaissance لم ينفك أدباء فرنسا وعلماؤها دائبين على اقتباس المفردات اللاتينية واليونانية القديمة, ومحاكاة أساليب هاتين اللغتين، وترسم قواعدهما ومناهجهما في البحث1, وقد أخذوا منذ عهد بعيد يقتبسون كثيرًا من المفردات والأساليب عن اللغات الأوروبية الحديثة, وخاصة الإنجليزية والألمانية, ولولا آلاف المفردات التي اقتبسها المحدثون من أدباء ألمانيا وعلمائها من اللغة اللاتينية وما تفرع عنها, ومن اللغات الأوروبية الحديثة, وبخاصة الفرنسية والإنجليزية، ما قويت لغة الكتابة بألمانيا أن تصل إلى الشأو الذي هي عليه الآن. ومثل هذا يقال في معظم لغات الكتابة في العصر الحاضر.
وكثيرًا ما تقتبس لغة الكتابة عن اللغات الأخرى مفردات لها نظير في متنها الأصلي، وكثيرًا ما تقتبس مفردات من لغة وتقتبس نظيرها في الدلالة من لغة أخرى, وإلى هذه الظواهر وما إليها, يرجع السبب في كثرة الألفاظ المترادفة "المشترك المعنوي" في لغات الكتابة, فما يذهب إليه بعضهم من أن الترادف بالمعنى الكامل لهذه الكلمة لا وجود له في اللغات ليس صحيحًا إلّا فيما يتعلق ببعض لغات المحادثة التي تظل بمأمن من الاحتكاك باللغات الأخرى, أما لغات الكتابة التي يستحيل
__________
1 انتشرت بفرنسا حركة المحاكاة للقواعد والأساليب اللاتينية بفضل كتاب القرن السابع عشر، وعلى الأخص بلزاك وديكارت وبوسويه
Balzac, Descartes, Boussuet

الصفحة 280