كتاب علم اللغة

مثله في كثير من اللغات الإنسانية الراقية, فكثير من الكلمات اللاتينية مثلًا, كانت واضحة الشخصية, مميزة الأصوات، ثم فقدت بعد تطورها شخصيتها ومميزاتها، وأصبحت في حالة يكتنفها اللبس والإبهام, ويظهر هذا مثلًا بالموازنة بين كلمة aqua اللاتينية "الماء", وما انتهت إليه في الفرنسية إذ استحالت إلى صوت واحد من أصوات اللين "eau وينطق بها o".
وليس بصحيح كذلك ما ذهب إليه مكس مولر Max Muller ووتنى Whitney, من أن التطور الصوتي يتجه نحو تسهيل النطق, ويعمل على تحقيق الاقتصاد في المجهود1, وذلك أن هذا الاتجاه من قبيل الاتجاهات التي تقول بها النظريات السابقة, فهو مثلها لا يمكن أن يتحقق إلّا في تطور اختياري مقصود تقوده الإرادة الإنسانية في سبيل الإصلاح, أما وقد ثبت أن التطور الصوتي تطور تلقائي آلي لا دخل فيه للإرادة الإنسانية، فلا يتصور أن يتقيد في اتجاهه بالخطة التي تقول بها هذه النظرية. حقًّا أن الحالة التي تتطور إليها أصوات الكلمة في جيلٍ ما تكون دائمًا أكثر من حالتها الأولى تلاؤمًا مع طبيعة أعضاء النطق واستعدادها عند أهل هذا الجيل، كما سيأتي بيان ذلك2, ولكن لفظها قد يتلطب من الأعمال الصوتية وحركات أعضاء النطق أكثر مما يتطلبه لفظ الكلمة القديمة، فلا يتحقق حينئذ الاقتصاد الذي تقول به هذه النظرية, ويظهر هذا مثلًا بالموازنة بين الكلمة العربية "ماء" وما انتهت إليه في عامية القاهرة إذ أصبحت "مَيَّهْ", وبين الكلمة العربية "ذا الوقت" وما انتهت إليه في عامية بعض المقاطعات المصرية إذ أصبحت "دلوجيتي", وبين الكلمة اللاتينية caballecet3, وما انتهت إليه في فرنسية العصور الوسطى؛ إذ أصبحت chevalcet, "وكان ينطق بها tchevalst"
__________
1 "Loi du moindre effort" "Max Muller" - "Princepe d economie "Witney"- V. Dauzat: Phiosophie du Langage, p. l66; Patois p. ll7
2 انظر آخر صفحة 289 وتوابعها.
3 Troisieme personne du subjonctif present du verbe chevaucher

الصفحة 288