كتاب علم اللغة

8- عوامل تتعلق باختلاف الطبقات والجماعات, فكثيرًا ما ينجم عن اختلاف الناس في طبقاتهم وفئاتهم اختلاف مدلول الكلمات وخروجها عن معانيها الأولى, ويؤدي إلى ذلك ما يوجد بين الجماعات الناطقة باللغة الواحدة من فروق في الخواص الشعبية والجسمية والنفسية, وفي شئون السياسة والاجتماع والثقافة والتربية ومناحي التفكير والوجدان ومستوى المعيشة وحياة الأسرة والتقاليد والعادات، وفي الظروف الطبيعية والجغرافية المحيطة بكل جماعة منها، وما تزواله كل طبقة من أعمال, وتضطلع به من وظائف، والآثار العميقة التي تتركها كل وظيفة ومهنة في عقلية المشتغلين بها، وحاجة أفراد كل طبقة إلى دقة التعبير وسرعته, وإنشاء مصطلحات خاصة بصدد الأمور التي يكثر ورودها في حياتهم, وتستأثر بقسط كبير من انتباههم، وما يلجئون إليه من استخدام مفردات في غير ما وضعت له, أو قصرها على بعض مدلولاتها للتعبير عن أمور تتصل بصناعاتهم وأعمالهم.. وهلم جرا. فمن الواضح أن هذه الأمور وما إليها من شأنها أن تخرج بالكلمات عن مدلولاتها الأولى, وتوجه معانيها في كل طبقة وفي كل جماعة وجهةً تختلف عن وجهتها عند غيرها, كما تقدم شرح ذلك بتفصيل في الفصل الأول من الباب الثاني من هذا الكتاب1.
ويدخل في موضوع التطور الدلالي نشأة كلمات لم تكن موجودة في اللغة من قبل, وهجر كلمات مستخدمة فيها, أو انقراضها انقراضًا تامًّا.
أما نشأة كلمات في اللغة فتدعو إليها في الغالب مقتضيات الحاجة إلى تسمية مستحدث جديد مادي أو معنوي "مخترع جديد، نظام حديث في الشئون الاجتماعية أو الاقتصادية أو غيرها، نظرية جديدة علمية أو فلسفية ... وهلم جرا". ويتم ذلك بإحدى الوسائل الآتية:
1- إنشاء الكلمة إنشاءً على الوجه الذي بيناه بتفصيل في آخر
__________
1 انظر على الأخص صفحات 175، 188-194.

الصفحة 325