كتاب علم اللغة

الظواهر اللغوية المتعلقة بالصوت. فقد أخذ كثير من العلماء على هذه الملاحظة أنها تعتمد على الأذن الإنسانية، وأن هذه الحاسة غير دقيقة في تمييز أنواع الصوت, وإدراك خصائصه.
ويزيد من فساد إدراكاتها ثلاثة أمور:
أحدها: تأثر السامع بالشكل الكتابي للكلمة، فلا يسمعها على الوجه الذي لفظت به، بل على الوجه الذي يتفق مع رسمها؛ فكثيرًا منا ينطق مثلًا بالعبارات الآتية على هذا النحو: "ضار لْعلوم", "مسألَ صعبَ جدًّا", "جر تلمصري", "صؤت جميل",ولكن يخيل لمن يسمعها إذا كان ملمًّا بالقراءة والكتابة أنه يسمعها على النحو الآتي: "دار العلوم", "مسالة صعبة جدًّا", "جريدة المصري", "صوته جميل". وذلك لتأثره في سماعها بالشكل الذي ترسم به.
وثانيها: أن السامع يوجه قسطًا كبيرًا من انتباهه في أثناء السماع إلى مدلول الكلمات والعبارات, ولا يعنى كثيرًا بإدراك الأصوات, وهذا الاتجاه الذي لا يستطيع أي سامع أن يتحرر منه تمام التحرر, يجعل إدراكه السمعي عرضة للزلل, فهو بمجرد أن يدرك معنى الكلمة، وذلك يتحقق بسماع بعض حروفها، وبمجرد أن يدرك معنى الجملة، وذلك يتحقق بإدراك بعض كلماتها، ينصرف عن سماع الباقي, فلا يدركه إدراكًا سمعيًّا صحيحًا. تعمد مثلًا تحريف بعض كلمات في جملة, وناقش السامع فيما سمعه، تر أنه لم يتبين هذا التحريف, قُلْ مثلًا لزائرٍ "ازًّيْ صِحَّتَ", فإنه يسمعها "ازاي صحتك", ولا يتبين حذفك لكاف الخطاب، وقل مثلًا في أثناء التحسر على شخص: "بسكين الراجل ده"، فإن المخاطب يسمعها "مسكين", ولا يفطن لاستبدال الباء بالميم.
وثالثها: أن غرابة الصوت على الأذن، أي: عدم إيلافها سماعه من قبل، يجعلها تدركه إدراكًا خاطئًا, ويظهر هذا من سماعك لكلمات

الصفحة 39