كتاب علم اللغة

لغة أجنبية لا تعرفها، فإنك لاتكاد تتبين الأصوات التي سمعتها, ولاتستطيع إعادتها صحيحةً لأول مرة.
ولكن على الرغم من جميع هذه المآخذ، لا تزال طريقة الملاحظة المباشرة من أهم الطرق المستخدمة في علم اللغة, ومن أعمها نفعًا وأكثرها إنتاجًا, ولا يمكن لأية شعبة من شعبه الاستغناء عنها، بل إن بعض الشعب لا يواتيها في بحوثها إلّا هذه الطريقة1.
غير أن هذه الاعتراضات ترشدنا إلى اتخاذ احتياطات كثيرة بهذا الصدد؛ فمن ذلك:
1- أن الاقتصار على شكل واحد من أشكال الملاحظة المباشرة يعرض الباحث للزلل وخطل الرأي, فينبغي أن تتضافر جميع أشكال هذه الطريقة, ويدعم بعضها بعضًا ليسد ما في كلٍّ منها من نقص, ويصلح ما به من فساد, وذلك بأن نجمع بين الملاحظة الذاتية والملاحظة الخارجية السلبية والملاحظة الخارجية الإيجابية، ونتخذ في كلٍّ منها من وسائل الحيطة ما يكفل بعده عن مظانِّ الخطأ والريبة التي أشرنا إليها في الاعتراضات السابقة.
2- وأنه من الخطأ الاقتصار على طريقة الملاحظة المباشرة في دراسة "الفونيتيك" -دراسة المظهر الصوتي في اللغة، بل الواجب أن تضم إليها طرق أخرى أدق منها في علاج هذه الظواهر، كطريقة الأجهزة والمقاييس التي سيأتي الكلام عنها.
3- وأن استخدام هذه الطريقة في "الفونيتيك", يتطلب من الباحث أن يكون دقيق الاحساس مرهف السمع. وذلك لا يتحقق إلّا إذا عني بتربية هذه الحاسة, وأخذها في كل شئونها بالدقة, وعودها الضبط وقوة التمييز. فقد تستطيع حينئذ أن تقوم بما يعجز عن القيام
__________
1 فشعبة "السيمنتيك" مثلًا تعتمد في أهم بحوثها على طريقة الملاحظة المباشرة ولا يواتيها غيرها.

الصفحة 40