كتاب علم اللغة

به أدق الأجهزة على أنها في حالاتها العادية قد بلغت في بعض إدراكاتها درجة من الدقة لم يبلغ مثلها بعد أي جهاز صناعي؛ فهي تدرك إحساسات سمعية كثيرة في آنٍ واحد وتميز بينها، وتستطيع أن تحس فروقًا لغوية دقيقة لا يقوى على تسجيلها أحدث جهاز, فقد يبلغ الشخص في إجادة لغة أجنبية درجة لا يستطيع معها أدق الأجهزة أن يسجل فرقًا بين نطقة ونطق أبنائها، ولكنه بمجرد أن يلفظ أمام أحدهم كلمات منها يدرك السامع من فوره أن المتكلم أجنبي, ويحس ما في أصواته من غرابة ومخالفة للمألوف. والقرى المتقاربة قد تتقارب لغات أهلها لدرجةٍ لا يقوى معها أيّ جهاز على تسجيل فرق بينها، ولكن بمجرد أن ينطق أحدهم أمام آخر ببعض كلمات, يستطيع السامع أن يدرك إن كان المتكلم من أهل قريته أو غيرها.
وخير طريقة تسهل عل الأذن القيام بوظائفها وتعودها الدقة في إدراكاتها، أن يأخذ نفسه بما يسمونه "الكتابة السمعية"، وذلك بأن يعنى بتدوين الكلمات عقب سماعه لها مباشرةً بالشكل الذي يتفق مع الأصوات التي لفظت بها, وبدون أن يدع لرسمها العادي أي أثر على نفسه في أثناء ذلك, ويتطلب هذا النوع من الكتابة حروف هجاء أكثر من حروف الهجاء المصطلح عليها, وذلك أنه في هجائنا العاديّ لا يوجد لكل صوت إلّا حرف واحد، مع أن هذا الصوت يختلف اختلافًا كبيرًا في شكله ونبرته وقوته ومدة النطق به ... باختلاف الكلمات والجمل, وباختلاف موقعه في الكلمة أو العبارة، ويختلف النطق به في كل حالة من هذه الحالات باختلاف الأفراد والمناطق ... وهلمّ جرَّا. وإليك مثلًا: اللام في الله: فإنها تارة ترقق "بالله مثلًا" وتارةً تفخم" والله وتالله مثلًا"، وأحيانًا لا يقف اللسان عندها, وأحيانا يتسمر صوتها مدة طويلة -إذا أراد السامع التأكيد في قسم مثلًا". ولا ينطق بها في قسم كما ينطق بها في غير القسم -فنطقك باللام في "والله" إذا كانت الواو عاطفة, ليس كنطقك بها إذا كانت واو قسم-. فينبغي في "الكتابة السمعية"

الصفحة 41