كتاب علم اللغة

فبألتامل فيما تسجله هذه الأجهزة من العلامات الممثلة لنبرات الصوت وقوته ومدته, وما إلى ذلك نستطيع أن نقف على طبيعته، وبالتأمل فيما ينطبع فيها بصدد الأعضاء التي تلفظه, نستطيع أن نقف على مخارجه.
ومن ثَمَّ انقسمت طرقهم بهذا الصدد إلى طريقتين, لكلٍّ طريقة منهما أجهزة خاصة: أحداهما يسمونها طريقة "التدوين المباشر" Inscription diricti, وهي التي نقف بفضلها على مخارج الحروف، والأخرى يسمونها "طريقة العلامات" Methode Graphique, وهي التي نقف بفضلها على طبيعة الصوت.
أما طريقة "التدوين المباشر" فترمي إلى الوقوف على الأعضاء التي تشترك في لفظ صوت ما, وانتقالات كل عضو منها في أثناء لفظه، عن طريق أجهزة تترك فيها هذه الأعضاء وهذه الانتقالات أثرًا مباشرًا, وهذه الأجهزة كثيرة متنوعة؛ فمنها: "السقف الصناعي" وهو آلة على شكل سقف الحلق, يغطى ظاهرها بطبقة من الحكك أو ما شاكله, وتركب في الفم بحيث يكون باطنها ملصقًا بسقف الحلق، ويطلب إلى الشخص النطق بحرف من الحروف التي يشترك في لفظها اللسان وسقف الحلق, فعندما يتصل لسانه بسقف حلقه يترك في المادة الجيرية أثرًا. ومن هذا الأثر وموضعه من الجهاز يتبين للباحث، في صورة واضحة، المكان الذي يلتقي فيه اللسان بسقف الحلق في أثناء النطق بهذا الحرف.
وأما طريقة العلامات فهي أهم كثيرًا من الطريقة الأولى وأعظم منها فائدة, وأكبر أثرًا في تقدم هذا العلم، وهي ترمي إلى الوقوف على طبيعة الصوت, أي: على خواصه ومميزاته؛ من حيث نبرته وقوته ومدته ... وما إلى ذلك، عن طريق أجهزة تحس هذه الخواص وتسجلها بعلامات وخطوط دقيقة الدلالة بهذا الصدد. وذلك أنه بالتأمل في هذه الخطوط وقياسها, والنظر في اتجاهاتها, نستطيع أن نقف بطريقة مضبوطة

الصفحة 43