كتاب إكمال المعلم بفوائد مسلم (اسم الجزء: 2)

قَالَ: " اقْتَادُوا " فَاقْتَادُوا رَوَاحِلهُمْ شَيْئًا. ثُمَّ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِلالاً فَأَقَامَ
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: " اقتادوا، فاقتادوا رواحلهم شيئاً " وفى الحديث الآخر: " ارتحلوا " وفى حديث زيد بن أسلم: " فأمرهم أن يركبوا فركبوا " (¬1) ومثله فى حديث أبى قتادة، وقيل: " فركبوا " محمله أن بعضهم ركِب وبعضهم اقتاد، وهذا على من جعل الأحاديث فى هذه واحدة (¬2) وأما إن كانت فى مواطن فلا تعارض فى ذلك (¬3) وسنذكر هذا بعد.
وأمره - عليه السلام - لهم بهذا مع وجوب المبادرة للصلاة، قال الإمام: اختلف فى علته، فقيل: لأن الشمس كانت طالعة [حينئذ] (¬4)، وإنما أمرهم باقتياد رواحلهم حتى ارتفعت [الشمس] (¬5)، وقيل: إنما ذلك لما ذكر بعد من قوله: " إن هذا منزلٌ حضرنا فيه شيطان " وهذا هو الأظهر (¬6)، ومذهب أبى حنيفة أن المنسياتِ لا تقضى عند (¬7) طلوع الشمس، ويحتج بتأخير النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة حتى خرج من الوادى. وهذا لا حجة له به (¬8)؛ لأنه كان فى صلاة ذلك اليوم وهو يوافق على أن صلاة ذلك اليوم تقضى عند طلوع الشمس، والحجة عليه - أيضاً - قوله - عليه السلام -: " فليصلها إذا ذكرها "، فعمَّ سائر الأوقات.
قال القاضى: لا حجة لأبى حنيفة كما قال من الحديث؛ لما ورد فى الحديث الآخر نفسه: " فما أيقظنا إِلا حرُّ الشمس "، وقوله فى [الحديث الآخر] (¬9): " فضربتنا الشمس "، وهذا [كله] (¬10) لا يكون إِلا بعد ارتفاعها، وجواز الصلاة حينئذ، وقد قيل فى أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالاقتياد وجوه أُخر، منها: أن أمره بذلك ليقوم جميع الناس بحركة الرحيل ويتنبَّه لذلك من غمره النوم وينبه غيره ممن قاربه ويأخذ من قام أهبة الصلاة أثناء ذلك، وقيل: بل كراهة للموضع الذى أصابتهم فيه الغفلة وتشاؤمًا به كما نهى عن الوضوء من ماء ثمود لعصيانهم ونزول العذاب بمكانهم، وكما قال أبو لبابة: " لا أرى فى بلد خنت الله فيه ورسوله " وكما قال: " أهجرُ دار قومى التى أصبت فيها الذنب "،
¬__________
(¬1) أخرجه مالك فى الموطأ، وقال فيه ابن عبد البر: هذا الحديث فى الموطآت لم يسنده عن زيد أحد من رواة الموطأ. الموطأ، ك وقوت الصلاة، ب النوم عن الصلاة 1/ 13.
(¬2) وهو اختيار ابن عبد البر. التمهيد 5/ 204.
(¬3) ودليلهم على ذلك ما أخرجه أحمد فى المسند: قال عبد الله: فقلت: أنا، حتى عاد مراراً، فقلت: أنا يا رسول الله، قال: " فأنت إذا "، قال: فحرسهم حتى إذا كان وجه الصبح أدركنى قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنك تنام " فنمت، فما أيقظنا إِلا حرّ الشمس فى ظهورنا. أحمد فى المسند 1/ 391.
(¬4) و (¬5) من ع.
(¬6) فى ت: الظاهر.
(¬7) فى س: بعد.
(¬8) فى ت: فيه.
(¬9) فى ت: الأحاديث الأخر.
(¬10) ساقطة من ق.

الصفحة 668